علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

تصريحات الوزير وألغاز «داعش»

ألقى الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية السعودي، في تصريحاته أول من أمس، بعض الضوء على لغز ظاهرة «داعش» بقوله إن هذا التنظيم لم يشكل بشكل عشوائي وإنما برعاية دول وتنظيمات بكل إمكاناتها وبنواياها السيئة.
وهو تفسير يتسق مع المنطق ومع هذه الظاهرة التي قفزت فجأة على سطح خريطة الاهتمامات العالمية في وقت قصير نسبيا وفاجأت كثيرين بحجم توحشها، وتوسعها السريع بعد سيطرتها على مدينة عراقية كبيرة مثل الموصل في امتداد جغرافي كبير يمتد من العراق إلى سوريا حتى الحدود التركية.
وظلت التساؤلات معلقة في الهواء دون إجابات حقيقية منطقية عليها منذ سقوط الموصل، مثل كيف حصل التنظيم على كل هذا السلاح والتمويل دون أن يدري أحد، وكيف تمكن من تشكيل ما يشبه جيشا صغيرا يقدر عدده حسب وكالة الاستخبارات الأميركية بين 15 و20 ألفا من المسلحين وبينهم آلاف المتطرفين الأجانب الذين جاءوا من الغرب والشرق محملين بفكر مهووس في رحلات طائرات عادية ليعبروا الحدود سواء إلى سوريا أو العراق دون أن يلحظ أحد.
وعلى قمة الألغاز في هذه الظاهرة الكيفية التي استطاع بها هذا التنظيم في عدة معارك هزيمة الجيش العراقي الذي شكل بعد حرب 2003 وأنفقت عليه عشرات المليارات من الدولارات.
وكيف يبيع هذا التنظيم النفط من الآبار أو الحقول التي سيطر عليها لتمويل نفسه، ومن هم المشترون والتجار الذين يأخذونه إلى السوق العالمية، وهل سنكتشف بعد قليل أن هناك شبكة معقدة من التجار والعملاء والبنوك في عاصمة خلفية تنظم هذه العمليات كما اكتشف ذلك في ظاهرة قراصنة البحر في الصومال الذين روعوا لفترة الملاحة من وإلى البحر الأحمر، وكانت الأموال وعائدات الفدى التي تدفع لها شبكة مالية شرعية في دول أفريقية مجاورة.
هناك قدر من التشابه بين ما يحدث الآن في قلب منطقة الشرق الأوسط والحالة التي كانت عليها أفغانستان خلال حكم طالبان الذي كان متحالفا مع تنظيم القاعدة حتى تشكل تحالف دولي خاض حربا بعد هجمات 11 سبتمبر لإخراج طالبان من كابل والقضاء على تنظيم القاعدة، ولا تزال ذيول هذه الحرب مستمرة حتى اليوم.
أيضا بين أوجه التشابه هو أن العالم لم يهتم بأفغانستان الموبوءة بطالبان و«القاعدة» ولم يشكل تحالفا دوليا لمحاربتهما إلا بعد هجمات 11 سبتمبر، وفي الحالة الحالية تأخر أيضا التحرك الدولي حتى بدأت تظهر مخاطر ما يحدث في العراق وسوريا على الأمن العالمي بعد عمليات التجنيد وذهاب مقاتلين من دول غربية بالآلاف إلى البلدين ليشكلوا خطرا مستقبليا شديدا على المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها.
لكن أيضا هناك فارق كبير بين حالتي طالبان و«القاعدة» رغم تشابه الفكر المتطرف المهووس والعنف الوحشي الذي فاق كل ما سبق؛ فالعراق وسوريا ليسا أفغانستان من ناحية التجربة التاريخية وتركيبة المجتمع، أو الثروات الطبيعية، ولا يوجد شيء يبرر وجود شيء مشابه لطالبان، إلا لو كنا أمام حالة غير منطقية من الجنون العبثي.
الثابت أن كافة تنظيمات هذا الفكر المتطرف الدموية كانت في حالة تراجع مع تشديد الحصار الدولي عليها، وليس لها قواعد على الأرض بعد أن خسرت أفغانستان، ولوحقت في الصومال، حتى أخرجت لها حالة عدم الاستقرار والفراغ التي حدثت في عدة دول عربية فرصة وجود واستغلال الأزمات سواء كان ذلك في سوريا أو العراق أو ليبيا وبعض المناطق في اليمن، ويبدو أنه كان هناك من له مصلحة في تسهيل ذلك.
وإذا كان ليس هناك مستقبل سياسي لهذا الفكر سواء قال عن نفسه إنه دولة أو بقالة لأنه ليس لديه ما يقدمه سوى الدم والعنف وقطع الرؤوس، فإن ذلك لا ينكر أنه قادر على خلق حالة عدم استقرار تؤثر على الدول وتضعف إمكاناتها، وتمنع الوصول إلى حلول حقيقية لمشكلات المنطقة أو معالجة مشكلات التنمية التي تحتاج إلى استقرار.
الآن وبعد أن صحا العالم وبدأ تشكيل تحالف أيدته الدول الرشيدة في المنطقة وساهمت فيه، فإنه لا يصح أن يكون هناك أي تردد في محاربة هذه الآفة التي تلحق أشد الضرر بمصالح المنطقة وتهدد العالم، وهذه الحرب ليست عسكرية فقط بل يجب أن تكون اقتصادية بمحاصرة مصادر التمويل وقطع شرايينه ومعاقبة الرعاة المتورطين الذين يشترون النفط من «داعش»، ويتاجرون معه سواء كانوا دولا أو أفرادا أو يزودونه بالسلاح، وأمنية بمنع عبور المتطرفين المقبلين من دول أخرى غربية وغير غربية عبر الحدود، خاصة أن هذه المنافذ وخطوط المرور ليست خافية على أحد وملاحقة الذين يهربونهم ويجندونهم، وسياسية بحل أزمة الشعور بالتهميش لدى قطاع من السكان في العراق، والعمل على أن يكون الجميع ممثلين في الحكم والفوائد الاقتصادية، والأهم هو إيجاد حل في سوريا، وهو أمر ليس صعبا لو توحد المجتمع الدولي في مواقفه للوصول إلى حل سياسي يضمن صيغة مستقبلية تلبي تطلعات السوريين العاديين بكافة مكوناتهم.