سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

إما الدولة وإما الجماعة

فشل (حوثيو البحرين) بفرض الأمر الواقع على شعب البحرين، فيما نجح حوثيو اليمن بفرضه على الشعب اليمني، والاثنان انتهجا الأسلوب ذاته بتعطيل الحياة وشل الحركة المرورية والإرهاب والابتزاز والعنف وتجربة السولدير ملهمة لهم، تعددت الحوثية والمرجعية واحدة.
وبإعلان العاهل البحريني الدعوة للانتخابات النيابية للفصل التشريعي الرابع تكون مملكة البحرين قد انتصرت لـ«الدولة» على «الجماعة» وأنهت آخر الفصول في معركتها معها، وأجبرت «الجماعة» على القبول بالأطر الدستورية آلية لإدارة الخلاف. والعودة لحكم «الدولة» لا لحكم «الجماعة».
بالإعلان عن موعد الانتخابات أنهت «مؤسسة الحكم» في البحرين بابًا للتحاور مع «جماعة الولي الفقيه» ظل مفتوحا لأكثر من أربعة أعوام جرى خارج إطار المؤسسات التشريعية، ورغم أن ذلك القرار يعد طعنا في الدستور الذي توافق عليه شعب البحرين بنسبة 98.4 في المائة، إلا أن ذلك القرار كان ضرورة حينها لتجنب حقن الدماء وتفادي السيناريو اليمني أو العراقي أو السوري... والقائمة تطول. قبلت البحرين قيادة وقوى سياسية التحاور مع «حوثيي البحرين» خارج المؤسسة على مضض حقنا للدماء ومحاولة لاحتواء الجماعة.
كان إسقاط النظام أكثر من شعار رفع إلى منصة الدوار وحين فشلت «الجماعة» في تحقيقه بالعنف والإرهاب والقتل والحرق، حاولت إلغاء مؤسساته وقوانينه، وإجبار الحكم على التحاور معها وإقرار ما تريده بالابتزاز ومن دون العودة للمؤسسات الدستورية، وما الدولة إلا مؤسسات وقوانين، فإن هي سقطت سقطت الدولة معها. كان إصرار «الجماعة» على إجراء تعديلات دستورية خارج إطار المؤسسة التشريعية وسيلة لهدف واضح للعيان.
أربع سنوات بعد انسحابها من مجلس النواب في 2011 وجلسات الحوار تنعقد وتتعطل بين هذه الجماعة وبقية القوى السياسية الذين رفضت «الجماعة» الاعتراف بهم بادئ الأمر، وأصرت على أنها الممثل الوحيد الشرعي لشعب البحرين.. أربع سنوات والجماعة تدخل وتنسحب ثم تعود وهي تسفه ببقية المشاركين وتزدريهم.. أربع سنوات و«الحكم» في البحرين يحاول احتواء عنفها وإرهابها وسفك الدماء التي أراقتها.. أربع سنوات والأحداث الإقليمية تؤثر سلبا وإيجابا على قرار استمرارها وانسحابها من الحوار.
كان دور الولايات المتحدة دورا رئيسيا خلال السنوات الأربع، إذ حاولت جهدها بالضغط على الحكم من أجل إعطاء «الجماعة» أي مكسب خارج إطار المؤسسة التشريعية، ودعته إلى حوار ثنائي منفرد معها حين أعلن أوباما في مايو (أيار) 2011 أن على عاهل مملكة البحرين الجلوس مع «جمعية الوفاق» وحدها والآن.. يعني الآن، وهي عبارة تعرف الأنظمة العربية مغزاها، وتمر السنوات الأربع عصيبة على البحرين حاولت فيه هذه المملكة الصغيرة المستحيل أن تكون كعصا الخيزران من أجل أن تمر العاصفة عليها فتنحني لكن لا تنكسر.
لم تكن معركة البحرين بين نظام ومعارضة، بل كانت معركة بين مشروع «الدولة» وبين مشروع «الجماعة» الأممي الذي يبنى على هدم ما هو «موجود» وإعادة البناء وفق ما هو «متصور»، معركة «مؤسسات وقانون» أمام «فوضى» ليست خلاقة، فوضى تقوض ولا تعترف بدولة ولا بنظام، بل تحتمي بمظلات «دولية» هلامية لا تعترف بحدود ولا بسيادة، تمتد من المنامة حتى قم، ومن القاهرة حتى باكستان.
لذا فإن حروب الدول العربية الآن ليست ضد إرهاب «فكر متطرف» كما يروجون بل هو صراع «دول» مع «جماعات» مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية تحمل مشروعا هلاميا تمردت به على «الدولة» لا على النظام، أفرغوا الدولة من قوامها، حال وصولهم سرحوا الجيوش وانقضوا على السلطات القضائية والتنفيذية وتركوها فراغا تتقاتل عليها الجماعات وكل له مشاريعه الهلامية وفق تصوره، فإن نجت البحرين والحمد لله من هذا المشروع فإن بقية الدول الأخرى ما زالت تصارع من أجل البقاء، وها هي «الجماعات الدينية» بتدرج اعتدالها وتطرفها، بتعدد مذاهبها سنة وشيعة، بتعدد ولاءاتها الأجنبية وبتعدد مصادر تمويلها، تتصارع لملء الفراغ الذي حدث بعد سقوط الدول، وليس «داعش» إلا إحداها والحوثيون ثانيها ولكل جماعة داعم وممول!!
الدول العربية تخوض معركة بقاء في وجه الجماعات الدينية ولا تخوض معركة مع فكر متطرف كما تحاول الولايات المتحدة الأميركية أن تقنعنا، أميركا هي مَن صنع مِن «الجماعات الدينية» لاعبا معترفا به، أميركا هي من أقرته لاعبا عابرا للقارات وأداة لإسقاط الدول، فإن لم تخلق «داعش» فهناك غيرها ممن سيخرج عن حدود دوره المرسوم ويخرج عن السيطرة، والفراغ الذي أحدثته الفوضى سيبقى مغريا لكل اللاعبين.
الفكر الديني المتطرف ليس وليد اليوم، درجات التطرف والاعتدال موجودة على مر التاريخ وفي كل الآيديولوجيات والمذاهب الإسلامية كلها لم تولد عام 2011، و(الوهابية) كما يحلو للإعلام الأميركي وصف المذهب الحنبلي عمرها أكثر من 200 عام لم تهدد يوما الاستقرار العالمي في نظرهم، حتى حين قررت الولايات المتحدة الأميركية محاربة الاتحاد السوفياتي لم يكن ذلك المذهب حينها فكرا جديدا متشددا في نظرها ولم تحظر التعاطي مع بعض مدارسه، رغم أن النص هو ذاته، والمعلمين هم ذاتهم وشيوخ الدين هم ذاتهم، بل بالعكس حظي «المجاهدون» حين ذاك بتدريب ورعاية أميركية بل وزودتهم بصواريخ «ستينغر» المضادة للطائرات.
حتى الجماعات الشيعية ليست طارئة في العالم العربي، فالتشيع لم يولد مع ولادة الخميني أو ولادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إذن لسنا أمام مذاهب جديدة، ولا أمام آيديولوجيا جديدة، ولا أمام نبي جديد، ولا دين جديد، هي ذات المذاهب موجودة على ذات الأرض منذ أكثر من ألف عام، ولم تشكل خطرا على أي استقرار عالمي من بعد الحرب الصليبية الأخيرة التي كانت آخر الحروب الدينية الإسلامية المسيحية.
إنما حين أصبح دعم وتمويل وتسليح «المجموعات الدينية» نهجا «دوليا» وحين أصبحت الفوضى الخلاقة استراتيجية أميركية لإسقاط الأنظمة في الشرق الأوسط، فتحت الولايات المتحدة الأميركية سوقا لدعم وتمويل أي جماعة دينية وتبعتها البقية، وأصبح التغيير والفوضى الخلاقة بابًا لإسقاط الأنظمة وترك فراغات مفتوحة في أراضي اجتاحتها الداوعش والحوالش والحوثية، لسنا إذن أمام فكر مهما تطرف فلم يكن تطرفه جديدا، إنما نحن أمام صراع بين «الدولة» و«الجماعة»؛ فإما أن تنتصر «المؤسسة والقانون» و«عقود اجتماعية» تنظم حقوقنا وواجباتنا والتزاماتنا وتحدد لنا أطر إدارة شؤوننا وتكون لنا مرجعية، وإما فوضى تنتصر فيها اليوم هذه الجماعة اليوم لتستعد في اليوم التالي لمعركتها مع جماعة أخرى.