حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

أفضال سوريا!

مع دخول أزمة الثورة السورية منعطفا جادا وخطيرا وذلك بانطلاقة حملة قوات التحالف الدولي لضرب تنظيم «داعش» الإرهابي الذي كان من أهم أسباب تقوية وضع نظام الأسد المجرم وخلق عدو جديد يلهي الناس عن جرائمه، تأخذ المأساة الإنسانية الحاصلة بحق الشعب السوري الكريم بعدا متعاظما ومقلقا. فاليوم أصبحت مشاهد اللاجئين السوريين تشكل، بحسب الوصف الرسمي بلسان الأمم المتحدة، الوضع الإنساني الأبلغ والأكبر والأكثر تعقيدا، ولا بد من حصول وقفة أخلاقية في المقام الأول للتعامل معها بشكل يرضي الضمير، ولكن في الأساس والمقام الأول يرضي الله عز وجل.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ويقول الشاعر الكبير أحمد شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
تذكرت ذلك وأنا أتابع باشمئزاز التغطية الإعلامية لتعامل الكثير من الدول مع الرعايا السوريين في بلادهم، سواء أكان من خلال تعامل المواطنين في تلك الدول وما يقومون به من استغلال يمر بلا عقاب أو إهانات عنصرية أو إرهاب علني، ولذلك قد يبدو ضروريا ومفيدا تذكير أنفسنا وتذكير بعض دول «الجوار» بمعنى وجوهر سوريا وأهلها. لبنان الذي كان منذ فترة قريبة جزءا من سوريا، من سوريا الحرة وليس سوريا الأسد كما يتوهم البعض هناك، ينحدر رموز اقتصاده من أصول سورية ويصاهر زعماؤه السياسيون وعدد كبير من أبناء وبنات بلاده أسرا سورية. سوريا هي الشريك التجاري الأول والمنفذ الأساسي للبنان بعد البحر على العالم العربي، وفضل سوريا على لبنان لا يعد ولا يحصى ولا ينكره إلا ناكرو الجميل وأي إنكار لذلك هو إنكار للبنان نفسه.
أيضا الأردن ينطبق عليه نفس الكلام بشكل دقيق؛ فهو كان جزءا من بلاد الشام التي قلبها هو سوريا، وأهم رموز الاقتصاد فيه هم من أصول سورية، جاءوا مكرمين معززين في بلاد الهاشميين وأبلوا بلاء حسنا وأضافوا قيمة مشرفة فوق القيمة وكانوا فيه عنصرا أمينا ومنتجا وفعالا للبلاد.
كذلك كانوا مع مصر وأتوا إليها من بلاد الشام وباتوا يعرفون بنتاج هجرة الشوام إليها فأسسوا أهم دور الطباعة والإعلام مثل «الهلال» و«الأهرام» و«روزاليوسف» وتألقوا في الأدب والفنون والتجارة بشكل مبهر.
وحتى هذه اللحظة ها هم السوريون على أرض الكنانة يحولون حضورهم بشكل مميز كما فعلوا في الأردن ولبنان ليبدعوا في مجال التجارة وتقديم الخدمات بأفضل الوسائل ليفرضوا حضورهم الراقي بشكل محترم ومسؤول وليس كلاجئين عاجزي الحيلة بل كمنتجين فعالين قادرين بحق وصدق وأمانة وجدارة، ولذلك من المعيب وغير اللائق إطلاق صفة اللاجئ عليهم.
كذلك الأمر بالنسبة لتركيا التي كانت إبان الدولة العثمانية تفتخر بولايات حلب ودمشق ولا تنطق اسم الشام إلا «شام شريف» دلالة على معزتها ومكانتها وخصوصيتها، وكانت المتاجرة والمصاهرة والتبادل الثقافي بين البلدين بمثابة التكاتل والتكامل الطبيعي جدا.
الذي حصل مع سوريا هو انكسار، وبقاء السوريين في بلاد غيرهم يجب ألا يخيف أحدا لأن وجود السوريين في أي بلد هو تشريف لهذا البلد، والسوريون لديهم عزة نفس وارتباط وثيق ببلادهم ولن يستغنوا عنه أبدا، فهي محطة مؤقتة وسيعودون إلى أراضي الشام المعززة بعد تحريرها من النظام المجرم الذي تسبب في كل ذلك، وإذا كان هناك قلة غير مهذبة أساءت للسوريين في محنتهم فلا بد للدول أن توقف هذا السفه الحاصل من البعض من مواطنيها وتعرفهم المعنى الحقيقي للضيافة والوفاء والاعتراف بالحق، وهو فضيلة في كل الأحوال، ولكن بقي من يعي ذلك الأمر.