فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

الحرب في بر سوريا

يكاد يكون من المؤكد أن سوريا مقبلة على تطور دراماتيكي في الفترة القريبة المقبلة، ورغم أن الأساس في هذا التطور يعود إلى الانقلاب في موقف المجتمع الدولي من تنظيم {داعش} بالانتقال من السكوت عنه إلى إعلان الحرب عليه؛ فإن تداعيات هذا التطور ستنعكس على مجمل الوضع السوري بكل حيثياته وتفاصيله، ولا سيما على النظام والمعارضة والتشكيلات العسكرية، وعلى مستقبل سوريا أيضا، بحكم الآثار الناجمة عن التدخل الدولي المرتقب في الوضع السوري، وضد «داعش» على وجه الخصوص.
إن الأهم في مؤشرات التدخل الدولي في الوضع السوري، مكرسة في 4 نقاط؛ أولاها تبني مبدأ الحرب على الإرهاب من خلال الحرب على قوته الرئيسية «داعش» عبر البدء في إضعافه والانتقال إلى تدميره. والنقطة الثانية: حشد تحالف دولي وإقليمي واسع بقيادة الولايات المتحدة لخوض تلك الحرب. والنقطة الثالثة: رفض إعادة تأهيل نظام الأسد من خلال رفض مشاركته في الحرب على «داعش» ورفض التعاون أو التنسيق معه في أي مستوى كان. والنقطة الرابعة: فتح باب التعاون مع المعارضة والتشكيلات العسكرية المنتمية لها للقيام بدور في الحرب ضد «داعش».
وترسم مؤشرات التدخل الدولي في الحرب على «داعش» ملامح السيناريو المرتقب في الواقع السوري، لتكون بدايته عمليات قصف جوي وصاروخي، تنفذها الطائرات والسفن الحربية لدول التحالف، والأميركية منها أول خطوات العملية العسكرية من أجل تدمير مراكز قيادات «داعش» ومعسكراته وتجمعات مقاتليه في الأماكن التي يسيطر عليها في شمال وشمال شرقي البلاد، وسيترافق مع الخطوة الأولى استنفار إقليمي، وخاصة في دول الجوار في تركيا التي تجاور سوريا في الشمال، والعراق الذي يجاورها من الشرق، خوفا من هروب قوات «داعش» وتجاوزها الحدود إلى البلدين المجاورين.
والخطوة الثانية في السيناريو المرتقب، هي تقدم قوات من المعارضة السورية المسلحة إلى المناطق التي يسيطر عليها «داعش» وتنظيفها قبل تأمينها، ومنع قوات نظام الأسد من الاستيلاء عليها، خاصة المناطق التي توجد فيها جيوب لقوات النظام أو مطارات قريبة تمثل قاعدة انطلاق لقوات النظام وشبيحته. وسيتم تقدم قوات المعارضة المسلحة تحت حماية جوية من قوات التحالف الدولي أو تحت مظلة منع طيران قوات الأسد في أجواء المنطقة، مما يعطي قوات المعارضة فرصة القيام بمهماتها.
ورغم ما يبدو من ترتيب في السيناريو المرتقب، فإنه يشكو من اختلالات واضحة، تجعله ضعيفًا وغير عملي في تحقيق أهدافه، وخاصة في نقطتين؛ أولاهما تتعلق بقوات نظام الأسد، والثانية بدور قوات المعارضة. وفي النقطة الأولى، فإن استثناء قوات الأسد من الضربة الجوية والصاروخية، لا تعتبر من باب الخطأ السياسي فقط، بل هي كذلك من الناحية العسكرية، ذلك أن قوات الأسد مارست أعلى درجات الإرهاب والتطرف، وكانت في أحداث السنوات الثلاث والنصف الماضية، أكثر دموية من «داعش» وغيره، كما كانت مثالا لإرهاب وتطرف الدولة المنظم في قتل السوريين وتهجيرهم وتدمير بلادهم ونشر التطرف والعنف في سوريا ومحيطها، بل كانت سببا مباشرا في ولادة ونمو وانتشار «داعش» وشقيقاته، ولا سيما «جبهة النصرة» المنتمية لـ«القاعدة» والمصنفة في قائمة الإرهاب، مما يعني أن الإبقاء على قوات النظام وعدم التعرض لها ولقواعدها القريبة سوف يبقي بيئة توالد «داعش» وأمثاله حية، بل سيشجع توالد جماعات إرهابية جديدة تماثل «داعش»، وقد تكون أكثر تطرفًا وإرهابًا منه.
أما قوات المعارضة، فيكفي القول إنها تعرضت إلى إنهاك وتقسيم واستنزاف على مدى الأعوام الماضية، كما جرى تقنين مواردها ومنعها من الحصول على احتياجاتها ليس العسكرية فقط، وإنما المدنية أيضا، بما فيها الاحتياجات الطبية والغذائية، وقد لا يكون التحسين المتوقع للبيئة المحيطة بها مثل التنظيم والتدريبات وتقديم المساعدات العاجلة، كافيًا لقيام قوات المعارضة بمهمة قتال «داعش» وتأمين المناطق التي تسيطر عليها، ومنع قوات الأسد من استعادة السيطرة على تلك المناطق، مما يعني ضرورة التعامل معها بطريقة مختلفة.
إن إعطاء دور لقوات المعارضة السورية في الحرب ضد «داعش» من جانب التحالف الدولي، ينبغي أن يكون مرتبطًا بتحولات سياسية وعسكرية في العلاقة مع قيادة المعارضة السورية، وخاصة من جهة أمرين أساسيين؛ الأول فيها هو التعامل الندِّيّ معها، وتأكيد الاعتراف العملي بها ممثلة للشعب السوري والقيادة السياسية لقوات المعارضة المسلحة، وأنها البديل الحقيقي لنظام الأسد، وأنها المعنية بمستقبل سوريا بخلاف ما جرى التعامل على أساسه في السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية، والثاني دعم المعارضة بالإمكانات المادية والعسكرية، التي تعطيها القدرة على ترتيب الأوضاع المعيشية للسوريين، وخاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وفي أماكن اللجوء، ثم تحسين القدرة القتالية لقواتها من حيث التنظيم والتسليح والتدريب لضمان قيامها بمهماتها في المواجهة المزدوجة لقوات «داعش» وأخواته من جهة، ولقوات النظام من جهة ثانية.
لقد بات من المطلوب فعلا، لا قولا، القيام بتحول حاسم وعميق في علاقة المجتمع الدولي والقوى الدولية والإقليمية مع المعارضة والقضية السورية، إذا كان المطلوب مواجهة التطرف والإرهاب في سوريا والمنطقة، وما لم يتم مثل هذا التحول، فإن الخطوات المحدودة والإجراءات غير المكتملة في الحرب ضد «داعش» وعدم استهداف نظام الأسد لن تؤدي إلا إلى استمرار الإرهاب والتطرف في سوريا ومحيطها، وإطالة أمد معاناة السوريين والعالم على نحو ما جرى في السنوات الثلاث والنصف الماضية.