أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

فوبيا الحملات الصليبية أم التعاطف مع الإرهاب؟

منذ ظهور ما يسمى «داعش»، كان جل خوفنا لا ينحصر في المسلحين الملثمين الذين يجوبون الموصل العراقية أو الرقة السورية بالدبابات والعتاد المتطور، لأن هؤلاء خصوم ظاهرون. خوفنا الكبير كان من أولئك الذين يعملون ويتعلمون ويتنزهون بيننا وهم يحملون بذرة أو ثمرة الفكر الداعشي. هؤلاء المتغلغلون في المجتمع ليس من السهولة التعرف عليهم، والأصعب هو انتزاعهم. إنما في نوائب الدهر ما يكشف معادن الناس.
المؤيدون أو المتعاطفون مع «داعش» التزموا الصمت حيال عمليات القتل المريعة التي مارسها التنظيم، إنما سرا، هم يؤيدونها، بل ويؤصلونها عقديا وفق تفسيراتهم الفقهية الخاصة، لكنهم لم يجرؤوا على البوح بمكنون نفوسهم خوفا من المساءلة القانونية. سنحت الفرصة لهم بالدفاع عن أصدقائهم في «داعش» بعدما تشكّل التحالف الدولي لمحاربة التنظيم الوحشي، وكان الدفاع غير مباشر من خلال التشكيك في دوافع التحالف، وادعائهم أن التحرك الأميركي المفاجئ غايته التمهيد لحملة صليبية جديدة على المنطقة العربية، لنهب الأموال والهيمنة! مع أن الصليبيين أسسوا أطماعهم، في التوسع الجغرافي والبطش، مستندين إلى أرضية الدين المسيحي، لا يفرقون عن «داعش» التي تتحرك وفق رؤيتها الدينية.
نستطيع أن نناقش الكيفية أو السياسة الداخلية لتحالف مكافحة الإرهاب، ولكن الجدل حول مبدأ المكافحة هو محاولة ملتفة للدفاع عن «داعش»، كما هو حال موقف جماعة الإخوان المسلمين وبعض المتعاطفين الأوائل مع تنظيم القاعدة.
نحن دائما ما ننتقد السياسة الأميركية من القضايا العربية، نتهمها بالتلون والنفاق وعدم الثبات، قد يكون ذلك صحيحا، ولكن ماذا عن العرب أنفسهم؟ أميركا كانت في عيون الإخوان المسلمين إبان سقوط نظام مبارك وحتى بعيد سقوط حكم «الإخوان» هي الملجأ والسند والمعين، كانت واشنطن تستقبل وفود قيادات «الإخوان» لتعزيز العلاقة مع واشنطن وطلب المزيد من الدعم السياسي والمالي، وكان مرحبا بهم ترحيب الأصدقاء. اليوم، أميركا التي تحشد لمكافحة الإرهاب هي الشيطان الأكبر في نظر «الإخوان»، ليس فقط لأنها اعترفت بالإدارة المصرية الجديدة، بل لأن أصحاب الفكر المتطرف من أهم أدوات «الإخوان»، وقد تفضل عليهم محمد مرسي وأطلق سراح مجموعة منهم أثناء حكمه، وهم الذين نراهم اليوم يعيثون فسادا في سيناء وليبيا.
الحملة الصليبية التي يروج لها المتطرفون لن تكون أسوأ من حملات المسلمين ضد المسلمين؛ وحوش «داعش» في سوريا والعراق ضد النساء والأطفال، معمر القذافي الذي استباح النفس والعرض، صدام حسين الذي جلب لنا الجيوش الغربية وتسبب في تمزيق أكبر جيش عربي، وجعل من العراق مرتعا للإيرانيين بإرثهم الصفوي المقيت. ومن في التاريخ الحديث نكّل بقومه مثل بشار الأسد الذي يضرب بمعتقلاته المثل في بشاعة التعذيب، حتى أصبحت السجون الإسرائيلية خجلى بالمقارنة معها! تخيلوا أن أحد المعتقلين المدنيين حررته المعارضة السورية من سجن الأسد بعد 8 أشهر من الاعتقال، ظهر في وسائل الإعلام جلدا على عظم، كأنه هيكل عظمي على مدخل كلية طب! منظر مريع لبقايا إنسان من جراء التعذيب والتجويع، في المقابل خرج الأسير اللبناني سمير القنطار من السجون الإسرائيلية بعد 25 سنة - اللهم لا حسد - بصحة رياضي مصارع.
حتى أصحاب الآمال الكبيرة المعقودة على «داعش» كجبهة مقاومة ضد التمدد الصفوي الإيراني، هم في الحقيقة واهمون، يستعينون بالنار من الرمضاء، لأن الفكر الإرهابي منزوع المروءة لا يمكن الركون إليه.
القائلون بنية أميركا نهب الأموال العربية من خلال حشد هذا التحالف، نذكّرهم بأنها أنفقت في حربها على الإرهاب بعد أحداث سبتمبر (أيلول) 2001 ما يقارب 6 تريليونات دولار، بحسب دراسة قدمتها جامعة هارفارد نشرتها صحيفة «الشرق الأوسط». دول الخليج مجتمعة لا يمكنها تقديم نزر يسير من هذا الرقم ولا حتى نسبيا. بمعنى آخر، لا يوجد توازن مادي يكافئ ما قدمته أميركا لحماية نفسها. ولو كان للرئيس باراك أوباما نية الانتهاز المالي لاستجاب للمطالب العربية بالتدخل منذ 3 سنوات، وقد كانت أميركا وقتها في مرحلة تعافٍ بطيء من الأزمة المالية التي ضربتها، وتحمل على ظهرها عبء ديون الحرب على العراق وأفغانستان، وكان سيسرها كثيرا أن تمتص الدم الخليجي بحجة التدخل في سوريا، لكنها لم تفعل.
لا شك في أن التكتل ضد الإرهاب له فاتورة مالية ليست بالهينة، ولكنه ثمن مستحق لكبح جماح الحيوانات البشرية التي تفتك وتنكل بالناس دون وازع ديني أو أخلاقي، هو ثمن مقابل الحصانة الأمنية وحماية البلاد والعباد.
على المستوى الشعبي العربي، هناك مخاوف مشروعة من الموقف الأميركي الجديد، فلدينا تجارب مريرة مع تحالف أقامته أميركا عند غزوها العراق كان ضحيته الطائفة السنية، ومن غير المقبول تكرار السيناريو بحجة محاربة «داعش»، إنما علينا ألا ننسى أن سنة العراق شاركوا في صنع «الشخصية السنية الضحية» بخروجهم من اللعبة السياسية وانحيازهم إلى التنظيمات الإسلامية. والأهم من ذلك أنه وحتى اليوم، ضحايا «داعش» بشكل أساسي هم من السنة، وهذه عقيدة داعشية، مفادها أن إقامة الشريعة الإسلامية خاصتهم في المناطق السنية هي أولوية قبل التوجه لمحاربة الشيعة أو اليهود في إسرائيل، وهو ما شهدناه في العراق وسوريا.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الظروف، ما البديل أمامنا لكف شرور الإرهابيين إذا لم يكن التحالف الدولي؟
القاعدة الثابتة؛ أن كل من يقف ضد التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، هم من المتعاطفين مع الفكر الإرهابي، شرطا. على الساحة اليوم، لا يوجد سوى فريقين لا ثالث لهما، من لم يكن مع مكافحة الإرهاب فهو متعاطف معه. وبعد نهاية المعركة التي سيسجلها التاريخ، طالت أم قصرت، سيطيب لنا الحديث عمن تولى يوم الزحف.

[email protected]