محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

كفى استخفافا

لا يمكن القول إن العديد من الفنانين العرب يمتلكون حس التواضع. ربما المسألة شأن نفسي. شعور بالنقص متوارث، أو عدم ثقة بالذات وبالتالي عدم تقدير لما تحقق أو ربما هو الطمع الذي يحل محل الطموح. الأصعب أن يكون عملا بمبدأ التقليد. الفنان الفلاني اشترى سيارة بنتلي، سأشتري أنا سيارتين مثلها.. وهذا المبدأ رائج بين فئات مختلفة من الناس ومن شتى المضارب والأعمال.
ما يمكن قوله هو أن الفنان باتخاذه موقفا مغايرا للتواضع والصدق، يضحى حبيس ذاته التي يعتقد أنها محور العالم. الدنيا، بكلمات أخرى، تدور حوله ولا حديث يمكن أن يشترك هو فيه إلا إذا كان مديحا لنفسه ولمكانته.
ثم هناك الإعلام الذي إما أن يجري عبر كتبة مقالات وإما عبره هو شخصيا. المنهج الأول مفيد، لكن الثاني مباشر ويشبهه فقط في أن بعض الصحافة تتولى نشره، وحقيقة، بحماس لا يكترث للمنطق إذا ما اختلف عنه، وهو كثيرا ما يختلف عنه بـ180 درجة.
مثلا، قرأنا قبل أيام عن تلك الممثلة، التي شخصيا لم أر لها أي عمل حتى الآن، وهي تقول: «رفضت عروضا عالمية لتمثيل أدوار إغراء». وقبلها من قال: «أرفض العالمية على حساب القضايا المصيرية»، وثمة من سبق هذا وذاك فصرّح ذات مرّة: «رفضت الظهور في أفلام هوليوود تقديرا لجمهوري العربي».
وكان هناك من صرّح بما هو أكثر من ذلك، فقال أحدهم: «فيلمي المقبل سيكون بطولة في فيلم عالمي إلى جانب توم كروز»، بينما كانت إحدى المغنيات قالت قبل حين قريب: «ألبومي الأخير هو الرقم الأول في المبيعات العالمية وهذه هي الأسباب..».
كما يلاحظ القارئ الكريم، تنطلق معظم هذه التصريحات من كلمة «أرفض». يا أخي الفنان اقبل ولو مرّة! هي ترفض أدوار إغراء (وللمناسبة هذه تسمية عامة لا يؤخذ بها في عالم التمثيل بمعنى لا يوجد منتج أو مخرج يقول لممثلة: «أريدك في دور فتاة مغرية») وهو يرفض المساس بالقضايا المصيرية على حساب العروض العالمية.
والحقيقة أن أحدا لا يعرض وبالتالي لا لزوم للرفض. بل لو أن هوليوود عرضت فعلا، لما كان هناك أي رفض. لكن المطلوب ممن يقرأ مثل هذه التصريحات، وهي تتكاثر وتتوالد في زمن ما عاد ينفع فيه الاعتقاد بأنه يمكن خداع القراء اليوم كما كان ذلك – ربما - ممكنا بالأمس، تخيل أن هناك صفا طويلا من المنتجين والمخرجين، وربما رؤساء الاستوديوهات، يقفون بالدور طالبين موافقة الفنان العربي على لعب دور في فيلم وهو الذي يمتنع لأنه يرفض.
أو أن الإيميل الشخصي له مليء بالعروض التي تنهال عليه. لقد اكتشفته هوليوود ولن تقبل بسواه. العالم فيه الكثير من سواه، لكن فيه شخص واحد منه. أما ذاك الذي قال إنه سيشارك بطولة فيلم مع توم كروز فقد اختفى. لو قال إنه سيؤدي دورا في فيلم كروز المقبل لتواضع، لكن أن يشارك البطولة مع كروز أو سواه، فإن في ذلك، كما في الحالات الأخرى، استخفافا بعقل القارئ يؤدي تماما إلى عكس المرغوب ويثير الهزء من حيث أريد له أن يثير الإعجاب.