طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

صندوق أحمد رجب

صوفيا لورين عندما بلغت الثمانين قبل أيام قررت نشر مذكراتها لتروي ما أطلقت عليه صندوق ذكرياتها، تتناول بالتفصيل كل أسرارها، من أحبها ومن بادلته الحب ومن رفضت حبه.
هناك تعبير، كثيرا ما يتردد، أن فلانا رحل ورحلت معه أسراره، ولكن النجمة الإيطالية العالمية أرادت أن تحكي كل شيء وهي على قيد الحياة.
قبل أسبوع، ودعنا كاتبنا الكبير أحمد رجب، الذي كان بطبعه يميل إلى الابتعاد عن أجهزة الإعلام، فلن تجد له، مثلا، أي حوار تلفزيوني، كما أن أحاديثه الصحافية في السنوات العشرين الأخيرة تصل إلى حدود الندرة، وكان يطلب من أكثر من زميل بعد الحوار ألا ينشر شيئا إلا بعد رحيله، وهكذا قرأت في الأيام الماضية الكثير منها، وبعضها كان سبق لكاتبنا الكبير أن سمح بتداوله في حياته، مثل أنه يعد الشاعر والكاتب الكبير كامل الشناوي أستاذه، أو أنه كان يتمنى أن يصبح عازفا لآلة الكمان، ولكن بعد دراسة ثلاث سنوات متواصلة في معهد الموسيقى الإيطالي خلال الأربعينات حقق فشلا ذريعا، فقرر أن يطلّق الكمان بالثلاثة.
في الحقيقة، ظلت لأحمد رجب ميول إلى الغناء، فكان ينتقد الأغاني في برنامج إذاعي شهير قبل 50 سنة «الأغاني للأرجباني»، وكانت أقرب صديقاته هي الفنانة شادية، وظلت بعد اعتزالها هي الأقرب إليه.
وقال عنها أيضا في تلك الأحاديث التي أوصى بعدم تداولها إلا بعد الرحيل، إنها حققت كل شيء؛ الشهرة والنجاح والفلوس، ولكنها رغم ذلك باحت له بأنها افتقدت أهم إحساس للمرأة وهو الأمومة.
كل هذا وغيره ستجده متناثرا في أقواله، ولكن السر الذي أخفاه ولم يسمح بتداوله في حياته هو أن الحب الحقيقي الذي عاشه هو حبه للفنانة تحية كاريوكا، كان يحرص على أن يشير، من دون إفصاح، إلى أنه أحب فنانة استعراضية، ولكن الأخوين التوأم مصطفى وعلي أمين، بما لديهما من سطوة على تلاميذهما، وكان أحمد رجب هو الأقرب إليهما، رفضا ذلك واقترحا عليه حتى ينسى حبه أن يسافر في رحلة طويلة حول العالم. كان إصرار أحمد رجب على أن يُطلق عليها فنانة استعراضية يجعل الكثيرين يعتقدون أنه لا يمكن أن يقصد تحية كاريوكا، لأنها راقصة شرقية.
في حياة تحية، احترمت هي هذا السر ولم تشر في أي حوار لها إلى ارتباطها العاطفي بأحمد رجب. ولكن الغريب أنها بعد فشل قصة زواجها برجب، ارتبطت بساخر آخر من عُمر رجب أيضا ويصغرها بنحو 15 سنة، وهو الكاتب الراحل فايز حلاوة. الكثير يعلمون كيف صارت بعدها الحياة بينها وبين فايز وانتهت إلى طردها من شقتها.
ما أود الحديث عنه هو كيف نحب ولا نبوح. أقصى ما ذكره رجب وسمح به في مذكراته التي وثقها زميلنا الصحافي محمد توفيق في كتاب، أنه قال إنه أحبها وندم لتراجعه عن الزواج بها، خاصة بعد أن قرأ ما كتبه عنها الكاتب الكبير الفلسطيني إدوارد سعيد في التسعينات. ورغم أنني كنت قريبا منها وأصدرت عنها قبل نحو 25 سنة كتابا عنوانه «فنانة لا تعرف المكياج»، فإن تحية ظلت تكتم السر.
لماذا لم يجرؤ أحمد رجب على البوح بتلك القصة، ومن الواضح أنها الحب الحقيقي في حياته، أرى أستاذنا الكبير وهو يستعيد في نهاية أيامه إحباطاته ونجاحاته وأمانيه المجهضة، أتصوره الآن سعيدا وهو يرى أن السر الذي وضعه في الصندوق صار الآن في متناول الجميع.