مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

السعودية وأهل الربع

تمر هذه الأيام ذكرى اليوم الوطني السعودي، وهي مناسبة للتذكر والتدبر.
المناسبة تشرق والسعودية تجتاز مرحلة دقيقة في مسيرتها؛ داخليا البلد يمر بطفرة كبرى في العمل على تطوير البنية التحتية، خاصة في مرفق المواصلات، وترعى الدولة برنامج ابتعاث تعليمي خارجي هو الأضخم في تاريخها وتاريخ المنطقة كلها. وسياسيا، السعودية كسبت كثيرا من المعارك الإقليمية.
هل يعني هذا أن الصورة وردية كلها؟
أبدا، فالعثرات موجودة، ولأجلها تبقى الحاجة للعمل والأمل.
أريد التركيز على مسألة بعينها، وهي المسألة الدينية، لنقل، الإصلاح الديني، وهو مطلب لا يختص بالسعودية وحدها، بل هو مطلب لكل شعوب المسلمين.
الإصلاح الديني هو البوابة الرئيسة لكل إصلاح، لا ينفع أن تقوم بإصلاح تعليمي أو سياسي أو اقتصادي وأنت تارك لعروة الإصلاح الديني.
مطلب قديم جديد، وما زال المسلمون عالقين بـ«منعرج اللوى»، فلا هم أقدموا ولا هم أحجموا. لو قلبنا صفحات من رؤية الملك المؤسس عبد العزيز، لرأينا، كيف كان بحكمة «يضبط» العلاقة بين الدين والدنيا، بما يخدم الدنيا ويصون الدين.
قصص الملك عبد العزيز في هذا الشأن كاشفة، ومنها قصة «جديدة» وقعت عليها هذه الأيام. أسردها لكم، وهي باللهجة المحلية.
الشيخ إسماعيل بن سعد بن عتيق، هو تلميذ الشيخ محمد بن إبراهيم، مفتي البلاد وقت الملك عبد العزيز، كتب عن أستاذه كتابا بعنوان «الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ.. حياته وآثاره». قال فيه (ص126) وهو يتحدث عن ذكرياته الخاصة بمسجد الشيخ الذي كان موئلا لطلاب العلوم الدينية:
«كان بعض الإخوان إذا صلوا صلاة الفجر جلسوا في ناحية المسجد يتحدثون عما جرى في الرياض وأخبار ابن سعود، فبلغ الملك عبد العزيز خبر هؤلاء وأسماؤهم، فلما جلس يوم الخميس - يوم استقباله لعلماء الدين - حضر منهم من يسلم على الملك وبجواره الشيخ محمد بن إبراهيم، فلما رآهم الملك التفت للشيخ وقال: هذولا أهل الربع. أي الذين يجلسون في زاوية المسجد يخوضون فيما لا يعنيهم، لا دارسين ولا مدرسين».
الربع، بضم الراء وفتح الباء، جمع «ربعة» وهي الزاوية من البناء، أي أهل الزاويا الذين ينتحون جانبا من الناس. والمعنى واضح هنا في يقظة الملك عبد العزيز لمن يريد خلط النشاط الديني بالنشاط السياسي، حسب معطيات ذلك العصر ولغته.
نحن في مسيس الحاجة لبناء رؤية جديدة حول الإصلاح الديني، يكون ضمن تضاعيفها، تشييد شخصية دينية جديدة، تتوفر على شرطين؛ الأول انعدام الهوى السياسي، والولاء فقط للدولة - أقول الدولة وليس شخص الحاكم - والثاني هو المتانة الفقهية وفهم العصر.
في 2012 صدرت موافقة الحكومة على إنشاء «المجمع الفقهي السعودي» وهدفه، كما جاء في نص الخبر الرسمي آنذاك، بيان الأحكام الشرعية في المسائل الفقهية ذات العلاقة بالقضايا المعاصرة، من خلال الاجتهاد الجماعي، ومن دون التقيد بمذهب معيّن، واستثمار الكفايات الشرعية المؤهلة.
الفكرة، نظريا، رائعة، وعمليا ما زالت تننظر وعي رجال الدين السعوديين.
[email protected]