قبل سويعات قليلة من مغادرته صباح اليوم متجها إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أبدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استعداده للمشاركة بـ«أي جهد ممكن» في جهود محاربة تنظيم «داعش»، لكنه أكد في ذات الوقت الحاجة إلى «استراتيجية شاملة» لمجابهة جذور التطرف في المنطقة بكاملها، وشدد على أن التدخل العسكري ليس الحل الوحيد للأزمة. كما أكد أن باب عودة أنصار جماعة الإخوان إلى السياسة مفتوح، شريطة نبذ العنف.
وفي حديث هو الأول من نوعه لوسيلة إعلام غربية منذ توليه الرئاسة في يونيو (حزيران) الماضي، سعى السيسي للتأكيد على موقفه وموقف الدولة المصرية في مواجهة الإرهاب. وأن ذلك السبب تحديدا كان أحد أسباب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان، الذي عزل عقب انتفاضة شعبية ضده الصيف الماضي، وهي الخطوة التي تسببت في بعض التوترات للعلاقات المصرية مع بعض القوى الغربية والإقليمية، وعلى رأسها واشنطن.
وقال السيسي في حواره مع وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية، مساء أمس: «أدركت خطورة الإسلام السياسي منذ عام»، مشددا بقوله «إذا لم أتصرف، فإن أكثر الدول العربية سكانا كانت ستسقط في فخ الحرب الأهلية، وتسفك فيها الدماء على غرار الموجود الآن في سوريا والعراق». وأضاف السيسي «حذرت من هذا الخطر الكبير قبل عام.. لكن لم يكن واضحا (للآخرين) حتى ظهرت الأحداث في العراق واجتياح (داعش) لجزء كبير من هذا البلد».
ولم يفصح الرئيس المصري في المقابلة التي جرت في قصر الاتحادية الرئاسي عن نوع الجهود التي قد تشارك بها مصر في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في محاربة «داعش»، وعندما سئل عما إذا كانت مصر قد توفر الوصول الجوي أو الدعم اللوجيستي للغارات الجوية، رد قائلا: «نحن ملتزمون تماما بتقديم الدعم، وسنفعل كل ما هو مطلوب». لكنه بدا أنه يستبعد إرسال قوات برية، قائلا إن «الجيش العراقي قوي بما فيه الكفاية لمحاربة المتشددين وأن المسألة ليست مسألة القوات البرية من الخارج».
وأوضح السيسي أنه «من المهم جدا وقف انضمام المتطرفين الأجانب إلى الجماعات المسلحة في سوريا والعراق»، محذرا من أنهم سيعودون إلى بلدانهم، بما في ذلك أوروبا، وأضاف «هناك حاجة لاستراتيجية أوسع تعالج أيضا الفقر وتحسين التعليم في المنطقة».
وحول مصير ومستقبل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وحلفائها، أوضح الرئيس المصري أنه «كانت لديهم فرصة لحكم مصر، لكن المصريين ثاروا عليهم». مؤكدا أن الجماعة «اختارت المواجهة»، لكنه شدد أن أتباع الجماعة التي تم حظرها واعتبارها جماعة إرهابية، يمكنهم المشاركة السياسية في المستقبل، إذا نبذوا العنف، بحسب ما نقلته الوكالة الأميركية. وأضاف أن «مصر تغفر بشدة؛ لأي شخص لا يلجأ إلى العنف.. وهناك فرصة للمشاركة».
ويبدأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليوم (الأحد) زيارة إلى نيويورك حيث يترأس وفد بلاده المشارك في أعمال الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، كما يلقي الرئيس السيسي كلمة المجموعة العربية أمام قمة المناخ التي دعا إليها الأمين العام للمنظمة بان كي مون، وذلك وسط ترجيحات دبلوماسية لأن تشهد الزيارة لقاء رئاسيا مصريا أميركيا على هامش الاجتماعات الأممية، وإن لم يجر الإعلان حتى الآن عن تنسيق بهذا الشأن.
وتأتي زيارة السيسي عقب أيام قلائل من اجتيازه بنجاح لاختبار المائة يوم الأولى له في حكم مصر، وهو ما يراه سياسيون ومراقبون اختبارا ثانيا على المستوى الدولي، وتحديا لبعض القوى الإقليمية والدولية التي تعارض السياسة المصرية، ربما تستغل الفرصة من أجل محاولة إحراج مصر وقيادتها الجديدة، لكن مراقبين يرون أن «السيسي قبل التحدي بشجاعة، ولم يتهرب منه».
وقال السفير عبد الرؤوف الريدي، سفير مصر الأسبق لدى واشنطن، لـ«الشرق الأوسط» إن «الزيارة هامة للغاية، لأن الرئيس سيعطي رسالة للعالم كله عن الوضع المصري في أهم لقاء من نوعه يحضره قادة العالم، خاصة أنه يأتي في توقيت حساس»، موضحا أن «الكلمة ستشمل موجزا عن خارطة الطريق المصرية والوضع الداخلي، وأيضا الحديث عن الدور المصري في مواجهة الإرهاب، في ظل الاهتمام العالمي بمكافحة الإرهاب في المنطقة والعالم، خاصة مكافحة تنظيم داعش».
وثمن الريدي قرار السيسي بالذهاب إلى الأمم المتحدة، رغم ما قد تشهده الزيارة من مضايقات، قائلا: «إنه قرار جريء كما اعتدنا من الرئيس السيسي دائما، لكنها جرأة محسوبة دائما؛ وليست مجرد اندفاع»، و«أمور المضايقات هامشية، لأن انسحاب رئيس أو ما شابه من قاعة الاجتماع خلال كلمة السيسي ليست له أي قيمة، ولن يلتفت له أو يلحظه أحد».
وحول المظاهرات التي تعتزم جماعة الإخوان عقدها خارج مبنى الأمم المتحدة، علق الريدي، الذي سبق وأن عمل طويلا في البعثة المصرية لدى الأمم المتحدة، قائلا «يشهد محيط المبنى في تلك المناسبات ما يشبه سوق عكاظ، حيث يتظاهر كل من له مطلب. ولن تكون مؤثرة».
وتوقع دبلوماسيون مصريون عقد لقاء قمة مصري أميركي على هامش الاجتماعات، وقال الريدي: «احتمال قائم، وأرجحه لأنها المرة الأولى التي يوجد فيها السيسي وأوباما في مكان واحد، وفي الأغلب سيجري لقاء». وسيلقي الرئيس السيسي، في زيارته الأولى إلى أميركا عقب توليه الرئاسة في مطلع يونيو (حزيران) الماضي، كلمة بعد غد (الثلاثاء) أمام قمة المناخ نيابة عن المجموعة العربية، حيث يعبر عن مطالب الدول النامية في طلب مساندة الدول الصناعية الكبرى للدول النامية بتقديم الدعم الفني والمادي لتطوير قدراتها الصناعية والتنموية باعتبارها تتحمل المسؤولية الأكبر عن ارتفاع معدلات التلوث التي تسببت في تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية التي يواجهها كوكب الأرض.
كما يلقي السيسي يوم الخميس المقبل كلمة مصر أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يستعرض التجربة المصرية، موضحا ما حققته مصر منذ 30 يونيو 2013 حتى الآن من خطوات نحو الديمقراطية والدولة الحديثة، ومنها إقرار الدستور الجديد وإجراء الانتخابات الرئاسية بمتابعة دولية. كما تحتل محاربة ظاهرة الإرهاب والتطرف جانبا مهما من كلمة الرئيس السيسي، حيث يشدد على ضرورة عدم اختزال المواجهة على تنظيم بعينه أو منطقة محدودة في العالم.
وتوقعت مصادر مصرية أن يواجه السيسي ببعض المناوشات خلال القمة خاصة من قبل بعض الدول التي تدعم علنا جماعة الإخوان. وفي تصريحات إعلامية، قال الكاتب السياسي البارز محمد حسنين هيكل: «أعذر الرئيس عبد الفتاح السيسي وقلبي معه، وتصورت أنه سيعتذر عن حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لأننا أمام عالم يحاكم المنطقة، فما دامت الدورة مخصصة للإرهاب، فنحن في قفص الاتهام».
لكن وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي، أوضح أن زيارة السيسي للولايات المتحدة سترفع معنويات مصر لدى كل الدول الخارجية، وستعمل على تحقيق التنمية الحقيقية لمصر التي ستقضى على الإرهاب. مشيرا في تصريحات إعلامية إلى أن «كل دولة ستتحدث عن شؤونها فقط خلال الاجتماع، تركيا فقط من المتوقع أن تتحدث عن الوضع في مصر دعما لجماعة الإخوان».
وتواترت أنباء عن اعتزام عدد من أنصار جماعة الإخوان لتنظيم مظاهرات في نيويورك بالتزامن مع إلقاء السيسي كلمته، وذلك من أجل وضع بعض من الضغوط على القيادة المصرية؛ خاصة بعد ما شهده التحالف المؤيد لجماعة الإخوان المعروف إعلاميا بتحالف «دعم الشرعية» من تحلل وتآكل داخل مصر عقب انسحاب عدد كبير من قياداته وأحزابه.. لكن قوى مصرية أعلنت اعتزامها بدورها تنظيم مظاهرات مضادة.
وأصدرت الجالية المصرية في نيويورك بيانا رسميا ردا على ما وصفته بـ«المخطط الخبيث لإفساد فرحة المصريين بزيارة السيسي»، دعت فيه المصريين في نيويورك إلى إظهار الترحيب بالرئيس المصري وإظهار دعمهم له خلال إلقاء كلمة مصر وعدم ترك الساحة خالية تماما للإخوان وحلفائهم. كما دعت قوى سياسية وحزبية مصرية إلى وقفات أمام الأمم المتحدة، لدعم الرئيس السيسي خلال كلمته.
وعلى صعيد متصل، طالبت قوى سياسية مصرية الرئيس السيسي بضرورة إعداد ملف حول جرائم وإرهاب الإخوان وعرضه أمام العالم خلال اجتماعات الأمم المتحدة. وقال المستشار يحيى قدري، عضو المجلس الرئاسي لائتلاف الجبهة المصرية، إن ذلك ضروري «للتنبيه إلى خطورة الوضع الإقليمي على السياسة العالمية، والتحذير من خطورة التنظيمات الإرهابية».
السيسي: الجيش العراقي قوي بما يكفي لمحاربة «داعش» ونحن ملتزمون بالدعم
الرئيس المصري يتوجه اليوم إلى نيويورك متحديا «المناوشات»
السيسي: الجيش العراقي قوي بما يكفي لمحاربة «داعش» ونحن ملتزمون بالدعم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة