باسم الجسر
كاتب لبناني
TT

الحرب الجديدة الرمادية الأهداف

إنها، إذن، الحرب المفتوحة بين أربعين دولة وما يسمى بـ«داعش» أو الأصوليين الجهاديين المتطرفين الذين باتوا يحتلون قسما من الأراضي السورية والعراقية ويتحكمون في أبنائها قتلا وإذلالا وتهجيرا؟!
إنها حرب من نوع جديد لم ترتسم معالمها رغم إعلان عنوانها وهدفها. حرب رمادية، غامضة تلعب فيها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الدور العسكري الجوي والتسليحي. وبمشاركة دول أخرى ومن بينها دول إقليمية عربية وإسلامية كتركيا والسعودية ومصر، رغم تحفظات بعضها وغضب البعض الآخر. أما الحسم «على الأرض»، فمتروك أمره إلى العراقيين حتى الآن.
سؤال لا بد من طرحه حتى بعد أن أجابت عنه أربعون دولة وهو: هل فكر قادة «داعش» وأخواتها قليلا قبل أن يقدموا على ارتكاب الفظائع التي أثارت الرأي العام العالمي ودفعت بكل هذه الدول إلى إعلان الحرب عليها؟ وماذا كانوا ينتظرون من العالم، بشرقه وغربه، بمسلميه ومسيحييه، بآبائه وأمهاته، أن يرد على هذه الفظائع؟ لقد تجاوزت «داعش» كل الحدود فيما أقدمت عليه من قطع رؤوس أبرياء ومن نسف مقامات وقتل الأسرى واضطهاد الأقليات وتباهيها بهذه الجرائم الموصوفة على شاشات الإنترنت.
لم يكن الرئيس أوباما بحاجة إلى تأكيد أن بلاده لن ترسل جنودها إلى العراق لتقاتل على الأرض في العراق وسوريا، وأن القصف الجوي الأميركي والأوروبي لن يبدأ على مواقع «داعش» في سوريا، لأكثر من سبب يعرفها الجميع. ولكن التدخل العسكري الأميركي والدولي في العراق سيكون جديا وحاسما. فالدول الكبرى والمجتمع الدولي والدول العربية ما كانت لتتورط في حرب ينتصر عليها فيها تنظيم إرهابي لا يتجاوز عدد مقاتليه الآلاف أو حتى عشرات الآلاف مسلح بأسلحة خفيفة.
لن تكون هذه الحرب نزهة عسكرية في شمال العراق، بل ستصطدم بمزيد من العراقيل من قبل إيران والنظام السوري وروسيا، وربما تركيا. وربما من داخل العراق.. صحيح أنها صفحة جديدة في سجل النزاعات الدولية، بعناوينها وتحالفاتها الغريبة العجيبة، ولكنها لن تكون منفصلة عن الحروب الباردة - الساخنة، الدائرة بين روسيا والغرب الأميركي - الأوروبي، ولا بين إيران والمجتمع الدولي حول برنامج إيران النووي، ولا الحروب الباردة بين إيران وأكثر من دولة عربية، ولا التوتر السني - الشيعي والنزاعات الطائفية والمذهبية في المنطقة. ومن هنا، فإن كل خطوة فيها لن تنحصر تداعياتها على أرض المعركة فقط، بل سيكون لها تداعياتها على أكثر من أزمة دولية أو إقليمية. ومن ثم، فإن كسب هذه الحرب لن يكون نتيجة تفوق عسكري فقط، بل تدخل فيه أو تقرره مصالح الدول الكبرى والإقليمية النافذة داخل التحالف الجديد وخارجه. يعتقد البعض أن هذه الحرب الدولية على «داعش» وأخواتها هي بداية حلحلة الأزمات السياسية والمآزق المصيرية التي علقت فيها معظم الدول العربية، منذ ما «أهل» ما سمي بالربيع العربي. ولكن، هناك من يعتقد العكس؛ أي إنها بداية حرب طويلة وشاملة ستغرق كل منطقة الشرق الأوسط في وحولها ودمائها، ولسنوات.
لا أحد يستطيع الإجابة عن هذا السؤال، الآن. ولكن الراهن، بل الأكيد، هو أن الدول الغربية الكبرى والمجتمع الدولي عموما لا يستطيعان السكوت عن هذه الظاهرة الفظيعة التي تدعى «داعش»، بعد ما ارتكبته من فظائع في البقعة التي سيطرت عليها في العراق وسوريا، وقد تمتد إلى بلدان أخرى في العالم بشكل أو عنوان آخر.
ثمة نقاط مهمة أخرى في هذا الإعلان للحرب على الإرهاب الداعشي، منها دور الدول العربية والإسلامية فيها على الصعيد العسكري والسياسي، وخاصة الجانب السياسي والفكري الثقافي. ذلك أن هذا التيار المسلح لم يتوقف عن اجتذاب آلاف الشبان في الشرق والغرب إليه بعد إقناعهم بأن هذه الأعمال البربرية والانتحارية والعدائية بحق «الآخرين» إنما هي من فروض دينهم وإيمانهم وطريقهم إلى الجنة، خلافا لما تقوله أرفع المرجعيات الدينية الإسلامية وأعلمها. لقد تجاوبت الأجيال العربية والإسلامية الطالعة مع هذه الدعوات المتطرفة بعد أن فشلت الأنظمة الحاكمة الديكتاتورية في تحقيق أمانيها تحت شعارات الآيديولوجيات القومية أو الاشتراكية. ولكن، ما من أحد كان ليتصور أنه تحت راية الدين ستتولد هذه الجماعات الأصولية المتطرفة التي تريد فرض تصورها الخاطئ للدين على المجتمعات العربية والإسلامية - وربما على العالم - وهو تصور لا يتقبله العقل ولا المنطق السليم، إذ يعيد الإنسان والمجتمع ألفا وخمسمائة سنة إلى الوراء.
هذه الحرب العسكرية على «داعش» وأخواتها قد تستمر أشهرا والبعض يقول سنوات. ولا خلاف على نتيجتها. ولكن الحرب الحقيقية التي يرتبط بها مصير العرب والمسلمين الآن وغدا، فهي عقائدية، ثقافية، اقتصادية، اجتماعية، إعلامية، تظهر الوجه الحقيقي للإسلام وتشق أمام الأجيال الطالعة طريق الخلاص والنهضة والتقدم الصحيح.
تبقى مسألة جد مهمة، لم يتوقف عندها المعلقون والمحللون طويلا؛ ألا وهي دور العراقيين في هذه الحرب الجديدة التي اختارت أراضيهم ميدانا لها. فمن دون وحدة وطنية حقيقية تجمع بين السنة والشيعة والأكراد، وجيش وطني، لا يمكن ربح هذه الحرب وتخليص العراق وسوريا وآخرين من «داعش» وأخواتها. وتلك هي مسؤولية الحكومة العراقية الجديدة.