أدرك الملك عبد العزيز، بحسه الفطري، أن النفط هو الطاقة المحورية لاقتصاد العالم في القرن العشرين، والقرون التي تليه. واستطاع الملك، مؤسس هذا الكيان الكبير الذي تنام بلاده على بحيرات من النفط لم تتضح بعد جدواها قبل وأثناء اتفاق الملك مع الشركات البترولية على امتياز التنقيب عن النفط وتشغيله تجاريا.. استطاع بفراسته وحِكمته وبُعد نظره وثاقب بصيرته واستماعه إلى ذوي الاختصاص والرأي أن يقرأ مستقبل النفط في بلاده، وأنه سيكون له حضور كبير في تحسين مداخيل الدولة الناشئة، وأن يعم نفعه ليس فقط جميع مواطنيها بلا استثناء، بل إن خيرات البلاد ستصل إلى الجميع خارج الوطن لأن بلاده ستكون إحدى كبرى الدول المصدرة لهذه السلعة العالمية، كما كشف الملك عن اهتمامه المبكر بموضوع التخصيص، وضرورة دخول الدولة وأبناء الوطن كمساهمين في مشاريع النفط، التي بدأ التنقيب عنها واستثمارها تجاريا.
وفي خطاب حصلت «الشرق الأوسط» على صورة منه، وجهه الملك إلى الأمير عبد العزيز بن مساعد، وكل جماعة أهل بريدة حاضرة منطقة القصيم، مؤرخ في الثامن والعشرين من شهر محرم عام 1342هـ، حث الملك مواطنيه على المساهمة في مشاريع النفط عقب اتفاقه مع الشركات البترولية التي حصلت على عقود امتياز النفط في الدولة الناشئة، والتي لا تتمتع بأي موارد ثابتة أو ذات جدوى للصرف على متطلبات تنمية الدولة الحديثة، وذلك قبل أن تعرف كثير من الدول والشعوب أي شكل من أشكال الاستثمار أو التخصيص أو المساهمات، أو ما يعرف اليوم بسوق الأسهم، والاستثمار في الشركات المطروحة للاكتتاب العام.
ويعد خطاب الملك عبد العزيز شكلا مبكرا من أشكال طرح نسبة من أسهم مشاريع الشركات البترولية للاكتتاب العام للمواطنين السعوديين، ويبدو أن الخطاب وجه إلى جميع المناطق ولم تكن بريدة هي الوحيدة التي وصلها.
وفي الخطاب إشارات من الملك عبد العزيز إلى أن بلاده، رغم عدم وجود موارد ثابتة لها بحجم النفط، ليست فقيرة مقارنة بغيرها من الدول، ملمحا في الخطاب إلى أن اتفاق بلاده مع الشركة التي ستتولى استخراج النفط والمعادن والكنوز المدفونة في الأرض قد خصص أسهما للدولة وللمواطنين في البلاد، مما يتطلب الاستفادة من هذه الفرصة التي لن تتكرر وتشهد منافسة للدخول فيها من قبل مستثمرين ومساهمين عرب وأجانب.
وكشف خطاب الملك عبد العزيز أنه تم تخصيص «ستين ألف سهم» للمواطنين، معتبرا ذلك هدفا يحقق مصالحهم بدل أن تكون لغيرهم، خصوصا أن الأجانب سيكون لهم نصيب من الحصص، وأنهم سيبذلون جهدا للحصول على حصة من هذه الأسهم حتى لو ترتب على ذلك دفعهم لمبالغ تزيد على السعر المحدد للسهم.
وشدد الملك في خطابه على أنه في حالة اكتشاف النفط والغاز بشكل تجاري، فإن الأمر سيكون مختلفا، حيث سيتصاعد سعر السهم، موضحا أن الحصة التي قيمتها جنيه واحد، ربما تبلغ الخمسين جنيها أو ربما تزيد على ذلك.
ولم ينس الملك المؤسس أن يحدد لمواطنيه كيفية وآلية المساهمة في ذلك من خلال تسجيل رغبات الناس ثم كتابة عدد الأسهم، سواء كان سهما أو عشرة أو عشرين أو مائة.. «وإذا اجتمع المجموع عندكم وعرفتموه فأرسلوه لمن تعتمدون عليه في البحرين، وعرفوه أن يراجع وكيلنا القصيبي ويروح معه إلى وكيل الشركة، ويسلمان له المبلغ ويأخذان منه أوراق أسهم بمقدار المبلغ المستلم، كل سهم عن جنيه واحد».
وكرر الملك حرصه على أن يسهم المقتدرون في ذلك، لأنها مناسبة وفرصة لن تتكرر.. «ولكن احرصوا على هذا الأمر لا يفوتكم، تراه ما يحصل لكم في ما بعد؟ لا تخلوا المصالح تروح لغيركم. بادرونا بالجواب عن مقدار ما يجتمع عندكم من الجماعة حتى نكون على معلومة منه. ومثلما عرفناكم أرسلوا لمن تحبون من أهل نجد في البحرين يدفعه لوكيل الشركة ويأخذ لكم به أوراق أسهم، يرسلها إليكم، وأنتم تدرون أن لنا أصحابا من العرب وكل منهم يطلب منا أن نعطيه من هذه الأسهم ولا جاوبنا أحد عن ذلك كله.. ونحن نحب أنها تكون بيد الرعية، ومصلحتها لهم، وننتظر مردكم لمعرفة مقدار الذي تأخذونه حتى نكون على معلومية من ذلك، ولكن بادرونا بالجواب حيث إن الوقت ضيق والعمل قريب إن شاء الله». وتضمن خطاب الملك عبد العزيز تأكيدات على عدم وجود شبهة الحرام في هذه الأسهم.
وبعد نحو تسعة عقود من هذا الخطاب أعلنت كل من «أرامكو» السعودية و«توتال» الفرنسية تنفيذ اتفاق للاستثمار المشترك في مصفاة الجبيل المعدة للتصدير، إضافة إلى تأسيس شركة مشتركة لتسويق إنتاج المصفاة وطرح 25 في المائة من أسهم الشركة للاكتتاب، كما أعلنت الشركة السعودية العملاقة وشركة «كونوكو فيلبس»، وهي شركة طاقة عالمية، مباشرتهما لمشروع مشترك لتطوير مصفاة ينبع، والتخطيط لتأسيس مشروع مشترك لتشغيل المصفاة وطرح حصة من المصفاة للاكتتاب العام للمواطنين السعوديين.
فقد أعلنت كل من شركة «أرامكو» السعودية و«توتال» الفرنسية أخيرا دخول اتفاق التفاهم الذي أبرمتاه في 21 مايو (أيار) 2006 بالاستثمار المشترك في مصفاة الجبيل المعدة للتصدير، حيز التنفيذ. وكانت تقديرات أولية أشارت إلى أن حجم الاستثمارات في هذا المشروع يبلغ نحو 6 مليارات دولار.
الملك عبد العزيز.. وعي مبكر لأهمية الاكتتاب في الطاقة المحورية للاقتصاد العالمي
خطاب من الملك المؤسس يحث مواطنيه على المساهمة في مشاريع النفط
الملك عبد العزيز.. وعي مبكر لأهمية الاكتتاب في الطاقة المحورية للاقتصاد العالمي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة