جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

«أفلاطون» والعقدة الباريسية

«العصافير، برموا الدنيي، فتلوا الكون وأنا علقان بنفس الغرفة مفكر حالي افلاطون».. هذه بعض كلمات أغنية «أفلاطون» للمبدع زياد الرحباني، وقد تتساءلون ما علاقة أفلاطون والعصافير بالسياحة؟ القصة وما فيها هو أن هناك عدة أنواع من السياح؛ منهم من هم أشبه بالعصافير التي تلف العالم والدنيا والكون، وهناك سياح افتراضيون يعتقدون أنهم لفوا العالم وهم جالسون في بيوتهم، والأهم هو أنهم يظنون أنفسهم «أفلاطون».
السفر معرفة، والهدف منه التعرف على ثقافات جديدة. وللتعرف على مشاهد جديدة في حياتنا يتحتم علينا التمتع بعقلية عقلانية منفتحة، تتقبل الجديد وبعيدة عن التشبث، والاعتقاد بأن ما عرفناه هو الأفضل وما زرناه لا مثيل له.
وعندما قال الكاتب الانجليزي الشهير صامويل جونسون: «إذا سئمت من لندن فهذا يعني أنك سئمت من الحياة» لم يكن في حالة اللاوعي، وهو يعني كل حرف، وأنا أوافق الكاتب رأيه، والسبب هو أن لندن مدينة كوزموبوليتانية تحتضن ثقافات ومطابخ إثنية عديدة.. مدينة منفتحة تشعر الزائر والمقيم فيها بالأهمية والاحترام، ومن الخطأ الحكم عليها من أول نظرة ومن أول غيمة تخيم في أجوائها، كما أنه لا يجوز مقارنتها بباريس التي تشكل عقدة لدى شريحة من السياح، وقد يكون السبب هو الفرانكوفونية التي تشعرهم بالراحة أكثر، أنا لا أعترض على رأيهم، وبنفس الوقت لا أروّج للندن، فأنا لست عمدة لندن ولا أشغل منصب بوريس جونسون ولا أعمل لدى هيئة السياحة البريطانية، ولكني أقيم في هذه المدينة وزرت باريس مرات عديدة بداعي السياحة والعمل؛ فباريس عاصمة الرومانسية والفن بل عاصمة النور، لها سحرها الخاص كباقي المدن، ولا يمكن أن تذكرها من دون التعقيب على ذكر جمالها وروعة مقاهيها ومطبخها، ولكن هذا لا يعني أن نصاب بالعمى ونظلم مدينة بحجم لندن من دون معرفة مسبقة.
نظلم البريطانيين عندما ننتعتهم بالبرود، لأنهم من أكثر الشعوب مساعدة للسياح إذا ما ضلوا وجهتهم على عكس الفرنسيين، كما أن لندن مظلومة بسبب تسميتها بـ«عاصمة الضباب»، فإذا نظرنا من حولنا لوجدنا أن الاحتباس الحراري غير مناخات العالم بأسره.
بخبرتي التي اكتسبتها بعملي وسفري أقول يجب على السائح أن يعطي أي مدينة يزورها للمرة الأولى فرصة لكي يتعرف إليها قبل إلقاء الأحكام، وصحيح كل منا يتمتع بذوق مختلف عن الآخر، فما يعجبني قد لا يعجب غيري، ولكن عندما يقارن السائح «الافلاطون» مدينة بأخرى ويلقي عليها الاحكام الباطلة، لا يسعني إلا أن أنصحه بالسفر أكثر والتشبه بعصافير زياد الرحباني التي تلف الكون، في وقت يتقوقع فيه ذلك السائح الفهيم في غرفته ويعتقد أن باريس هي الأفضل فقط لأنها تتكلم لغته.
ملايين السياح يزورون لندن سنويا وهي ليست بحاجة لي للترويج لها، ولكني أشفق على أصحاب العقلية المنغلقة الرافضين لاكتشاف وجهة جديدة، فالعالم فيه أكثر من شارع «الشانزيليزيه» ومقهى «فوكيت».