عندما اقتحمت عوائل ضحايا مجزرة قاعدة سبايكر التي راح ضحيتها ما يقرب من ألفي شاب عراقي كانوا جنودا في القوات المسلحة، في يونيو (حزيران) الماضي، مبنى مجلس النواب العراقي قبل 3 أسابيع، عالج سليم الجبوري، رئيس مجلس النواب الموضوع بحكمة وذكاء دلت على حنكته في مواجهة أول الأزمات التي تسببت بها القيادة العسكرية، بينما تفاقمت في مستهل عمل البرلمان، إذ استدعى (الجبوري) القيادات العسكرية ومن ضمنهم وزير الدفاع، سعدون الدليمي، واستضاف عوائل الضحايا تحت قبة البرلمان واستمع للجميع في جلسة بثت عبر التلفزيون ليحيل القضية إلى التحقيق. هذا الاختبار العملي دفع بالجبوري (43 سنة) الحاصل على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة بغداد، إلى الواجهة أكثر من ذي قبل، وتبعته جلسة منح الثقة لحكومة حيدر العبادي، إذ بدا، وباسم الدستور، حاسما وقويا في مجابهة القلاقل والسجالات التي أراد البعض إثارتها.
ويحتاج الجبوري المتحدر من محافظة ديالي، شرق بغداد، والقيادي في الحزب الإسلامي المؤتلف مع تحالف القوى الوطنية (سني)، إلى 48 ساعة لإتمام مهامه اليومية.
«الشرق الأوسط» التقت الجبوري وكان لها معه حوار في ما يلي نصه:
* تسلمتم رئاسة مجلس النواب العراقي والأوضاع داخليا وإقليميا ملغومة بالأزمات، من بين كل الأزمات.. ما أولوياتكم؟
- عندما تواجه تحديا تتشابك فيه أزمات الأوضاع الأمنية مع الأزمات السياسية ووصلنا فيه إلى حالة اللادولة، وبالتالي فإن أبرز أولوياتنا وأهمها هي أن نوجد معالم الدولة ومؤسساتها من خلال عمل سياسي كان البعض يراهن عليه ويعتقد بفشله وعدم نجاحه وفي ظل اضطراب أمني وصلت فيه التحديات إلى أسوار بغداد، وكان هناك انهيار أمني في محافظات، وشبه انهيار في محافظات مختلفة، لذلك علينا العمل أولا لإثبات وجود معالم الدولة والانطلاق نحو بناء مؤسساتها المدنية ونظامها والإيمان بتوجهاتها انطلاقا من الممارسة الديمقراطية التي أفرزتها الانتخابات.
* كنت عضوا في مجلس النواب السابق الذي انتهت فترته من دون أن يقدم نتائج ملموسة بسبب الخلافات بين الكتل السياسية، ماذا ستقدمون في هذه الدورة البرلمانية؟
- واحدة من معاناتنا في المرحلة السابقة هي أن قيمة البرلمان كانت ضعيفة في نفوس الناس، وأسهم في خلق هذه الصورة، وبالدرجة الأولى الإعلام، في تشويه صورة مجلس النواب، وكذلك العلاقة المحتدمة والصراع بين المجلس والسلطة التنفيذية، كما أسهمت في رسم هذه الصورة سلوكيات بعض البرلمانيين وغياب الأعراف البرلمانية، وهذا يعني إسقاط هيبة السلطة التشريعية في أعين الناس، وأصبح مجلس النواب غير ذي هيبة في تفكير المواطنين، وعليه إذا أردنا أن نحيي البرلمان ونبرهن للعراقيين على أننا في ظل سلطة تشريعية حاكمة ولها مهام واضحة ودستورية فلا بد من أن نعيد الأعراف الدستورية، وهذا ما شرعنا به نحن منذ بداية عملنا في رئاسة مجلس النواب.
* وما التشريعات التي ستعملون على إنجازها راهنا؟
- قانون مجلس الاتحاد والمحكمة الاتحادية وقانون الأحزاب وقانون حرية التعبير عن الرأي، وأوجدنا أسلوبا جديدا وضمن إطار دستوري لأن تكون هيئة الإعلام والاتصالات تابعة للبرلمان وضمن رقابة مجلس النواب.
* حسب الدستور العراقي فإن مجلس النواب هو أعلى سلطة في العراق، لكننا لاحظنا أن السلطة التنفيذية (الحكومة) كانت هي الأقوى في المرحلة السابقة؟
- يفترض أن مجلس النواب هو أعلى وأقوى سلطة في البلد، وهذا ما يجب أن يكون عليه الوضع، لكن للأسف في المرحلة السابقة لم يكن هناك احترام للقانون ولا لمجلس النواب وهيبته، وبالتالي كان هناك شعور بأن هيمنة الحكومة هي النافذة والقادرة على أن تفرض إرادتها وعلى أن تسلب دور مجلس النواب في تنفيذ وتحقيق دوره الدستوري، على سبيل المثال، فإن البرلمان لم يستطع استدعاء قيادات أمنية وعسكرية طوال الفترة الماضية، الدورة البرلمانية السابقة، وهذا يدل على عدم الاعتراف بوجود البرلمان وقراراته في الاستجواب والتحقيق والوصول إلى الحقائق، وهذه واحدة من المسائل التي أعتقد أنها تحتاج إلى الثقة، ثقة الناس بأن من يمثلهم قادر على تحقيق ما يريدون ولا يعلو أحد على القانون.
* وما الذي تغير الآن، كيف تمكنتم من استدعاء وزير الدفاع العراقي سعدون الدليمي والقيادات العسكرية على خلفية مجزرة سبايكر؟
- نحن أوصلنا رسائل لوزارة الدفاع والقيادة العسكرية بأننا لسنا عدائيين ولا نهدف من خلال استدعائهم تحت قبة البرلمان الإطاحة بهم أو بمؤسسة الجيش العراقي الذي نحترمه، وأفهمناهم أن مفهوم الفصل بين السلطات يعني التعاون بين هذه السلطات لتحقيق قضايا كثيرة تهم البلد والشعب، ثم حصل تفاهم غير معلن بين الرئاسات الثلاث، مجلس النواب ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء، بأننا نتفاهم في القضايا الاستراتيجية بعيدا عن الإعلام لتحقيق هدف معين مفاده كيف نحقق قوة ونبرهن على سلطة المؤسسة التشريعية مع الحفاظ على توازن وهيبة السلطة المؤسسة التنفيذية ورئاسة الجمهورية، هذا الاتفاق الذي حصل، حتى رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، وافقنا بهذا الجانب بدرجة كبيرة، وعليه فأنا أعتقد أن السلطة التنفيذية إذا أرادت أن تحافظ على وجودها فلا بد أن تحترم مقررات مجلس النواب وتعطيه قدرا أكبر من الاعتراف والاهتمام بقراراته.
* ذكرتم الإعلام مرتين، اتهمتموه مرة بأنه أسهم بتشويه صورة مجلس النواب، وثانية قلتم إن اتفاقاتكم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تجري بعيدا عن الإعلام، وكأن الإعلام هو سبب خراب الأوضاع أو سلب هيبة البرلمان، هل بالفعل تعتقدون ذلك؟
- الإعلام لعب دورا كبيرا، سلبا أم إيجابا، لخلق قناعات لدى الناس في تحقيق نوع من الرضا أو الرفض، حتى باتجاه مؤسسات الدولة وشخصياتها، وهذا أمر لا يمكن إغفاله، والإعلام في العراق خاصة تحول إلى مؤسسات صنع القرار، وهناك الكثير من القيادات السياسية أو الحكومية صارت تحاول أن تسوق قراراتها بالطريقة التي تبدو فيها هذه القرارات مرضية أو مقبولة من قبل الإعلام، وهناك الكثير من القرارات التي كانت صحيحة، لكن أسلوب تسويقها كان مشوها وغير صحيح بفعل الماكينة الإعلامية.
* لكن للإعلام مهماته المعروفة في نشر الخبر والبحث عن الحقائق؟
- نعم، الإعلام مهم، ومهم جدا، ومن جانبنا حاولنا الانفتاح على القنوات الإعلامية ليس خشية منه أو نتجنب الهجمات التي تعرض لها مجلس النواب في المرحلة الماضية، وإنما حتى نعطي الحقائق ونكون شفافين في إيصال المعلومة مثلما هي وأعتقد نحن نجحنا حتى الآن في هذا الجانب.
* أمضى مجلس النواب السابق فترات طويلة من ولايته منشغلا بالمناكفات والاختلافات والسجالات السياسية بين الكتل الممثلة داخل البرلمان حتى إن اعتراض هذه الكتلة أو تلك على بعض التشريعات كان يجري نكاية ببعض الكتل وفوتوا على المجلس والشعب العراقي فرصة تشريع قوانين للصالح العام، ترى كيف ستتجاوزون هذه الحالة في مجلسكم اليوم؟
- عندنا اليوم مشروع سنعمل به وهو أن نجمع عددا من أعضاء مجلس النواب لتشكيل ما يشبه البرلمان المصغر وندمج معهم عددا من المفكرين الذين يتمتعون برؤية وطنية واضحة من خارج المجلس، أي ليسوا من البرلمانيين، وقد نستعين بشخصيات نافذة في الحكومة شريطة أن يكون لقراراتها وأفكارها أثر عملي على أرض الواقع لمناقشة القضايا الاستراتيجية المتعلقة ببناء الدولة، وهذا أهم موضوع في جانب الإصلاح السياسي وأعني قضية بناء الدولة، لتبقى المناكفات موجودة بين الكتل السياسية، وحتى إذا لم نتفق، لكن علينا الشروع ببناء مؤسسات مدنية في كل جوانب الدولة، وأعني القضاء والثقافة والإعلام والاقتصاد والخدمات والمجتمع، وما إلى ذلك.
* خلال دورة برلمانية كاملة، أكثر من 4 سنوات، لم يتمكن مجلس النواب من إصدار تشريعات مهمة حسبما يقول العراقيون، تشريعات لقوانين تهم الناس، بل إن أغلب التشريعات حسمت لصالح امتيازات البرلمانيين، ما هو تعليقكم على ذلك؟
- أتصور أن هناك تشريعات مهمة صدرت لصالح العراقيين منها قانون الضمان الاجتماعي وبعض القضايا الجوهرية التي أصدرتها اللجان المختصة، ولكن من كان يعوق إصدار هذه التشريعات كقوانين هو السلطة التنفيذية، ثم إن اهتمامات مجلس النواب كثيرة. ودعوني أعلن لكم وللمرة الأولى أنه سيقوم البرلمان بمحاسبة إنجازاته وتقييمها بناء على تقرير وبحث جرى إعداده من جهات ليست برلمانية، بل من منظمات المجتمع المدني يتناول عمل البرلمان السابق وسيجري عرضه بسلبياته وإيجابياته على جلسة الأسبوع المقبل داخل قبة البرلمان، ويتناول التقرير نسب الإنجاز والإخفاقات والنجاح وعدد الأعضاء الملتزمين والمتغيبين وعدد أيام العطل والدوام، لن يجري ذكر أسماء حتى لا نتعدى على خصوصية البعض، لكننا سنقرر استراتيجية عملنا المقبل على ضوء أخطاء الفترة الماضية، وهذا التقرير جرى إنجازه وتوزيعه على النواب وستجري مناقشته يوم الخميس المقبل.
* استضفتم عوائل ضحايا مجزرة قاعدة سبايكر في البرلمان بعد اقتحامهم لبناية مجلس النواب، واستدعيتم القيادات العسكرية المسؤولة، ولكن هل هناك من نتائج تظهر الحقائق للرأي العام؟
- هذه الحادثة حصلت في ظل غياب البرلمان، في يونيو الماضي، وجئنا على أنقاض مجزرة معالمها ضائعة، وما زالت أرض الجريمة هي أرض معركة والأدلة ضائعة، والشهود متناقضين وليسوا متفقين، واختلطت في الجريمة أطراف متعددة وخيوطها متشابكة، وفي قصص الجنود هناك اختلافات، للعشائر كان هناك دور والقيادات الأمنية إفاداتها متناقضة، ونحن كل الذي فعلناه استضفنا عوائل الضحايا واستدعينا القيادات العسكرية بما فيها وزير الدفاع، وبعثنا وبشكل رسمي وغير رسمي أطراف إلى القاعدة للتحقق، جمعنا ما عندنا من أدلة وأحلناها إلى لجنة مكلفة التحقيق بالجريمة وما زالت تعمل ونحن في انتظار النتائج.
* لكنّ عددا من أعضاء مجلس النواب اعترضوا خلال جلسة استدعاء القيادات العسكرية بسبب عدم حضور القائد العام للقوات المسلحة السابق، نوري المالكي؟
- إذا أثبتت التقارير ونتائج التحقيق مسؤولية رئيس الحكومة السابق أو تحمله جانبا من هذه المسؤولية سنعلن ذلك لتأخذ الإجراءات مسارها، ونحن حملنا القيادات الميدانية التي هي على مستوى عال في الجيش، وكذلك وزير الدفاع، مسؤولية ما حدث ووجهنا سؤالا حول عدم حضور القائد العام للقوات المسلحة السابق، علما بأن عملية استدعاء القيادات العسكرية جرت خلال ساعات الليلة التي سبقت جلسة البرلمان التي استضفنا فيها عوائل ضحايا جريمة سبايكر. وفي السياقات الاعتيادية يجب مراعاة ظروف من يجري استدعاؤهم ولا ينبغي فرض هذا الوقت السريع، لكننا فعلنا ذلك وكان هناك قادة معنيون في عمليات حديثة ومقاتلة «داعش»، وحضر من حضر وأستطيع القول إن 10 من القيادات العسكرية والأمنية استجابت للاستدعاء.
* ومن سيتحمل مسؤولية انكسار الجيش وانسحابه في الموصل أمام «داعش»، وجريمة سبايكر، وقصف الفلوجة والرمادي بالبراميل المتفجرة، والمآسي التي تحدث في ديالي، أم أنكم ستدعون المرحلة تمر بلا حساب؟
- من المؤكد أن هناك من يتحمل مسؤولية ما حدث، لكننا في حالة حرب، إذا صحت التسمية، حرب إبادة ضد شعبنا، وحدث نوع من التخاذل الذي أصاب قياداتنا العسكرية، والانهيار الأمني أصبح واضحا، وهناك أطراف كثيرة تتحمل المسؤولية ولكن نسب هذه المسؤولية حسب دور ومكانة ومركز كل طرف في الموضوع، وبالنسبة لي من الصعوبة أن أحدد على من تقع المسؤولية الأكبر فيما حدث، لكني أقول إن سوء الإدارة للسلطة التشريعية منع المؤسسات من أن تلعب دورها، والجانب السياسي كان مربكا، وهذا اثر في نوع ردود الأفعال التي تصرفت بضوئها الناس، وأكبر مشكلة هي أن يتعاطف الناس مع الإرهابيين ظنا منهم أن هذا هو الخلاص من المأساة التي كانوا يعيشونها.
* باعتقادكم من هو المسؤول عن انسحاب الجيش من الموصل؟
- معروف وبشكل واضح وعلى المستوى العسكري فإن القائد العام للقوات المسلحة (السابق) هو من يتحمل هذه المسؤولية، وكذلك وزير الدفاع والقيادات العسكرية الميدانية، وكذلك الحكومة وجزء من المسؤولية تتحمله الجهة الرقابية التي لم تقم بدورها الحقيقي.
* هل هناك بوادر لحل الأزمة بين بغداد وأربيل؟
- نعم، هناك جانب من المسعى ناتج من مصلحة الجميع لحل الأزمة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وليس من مصلحة أي طرف أن تستمر أي أزمة بين بغداد وأربيل، نحن عندنا قانون النفط والغاز لا بد من حل إشكالاته، كما يجب حسم ملف المناطق المتنازع عليها، ولا بد من مشاركة الأكراد في صناعة القرارات المهمة التي تخص البلد، ووجود الوزراء الأكراد في الحكومة الاتحادية سيمنحها أهمية أكبر، وحتى هذه اللحظة لم يؤد الوزراء الأكراد القسم الدستوري.
* ماذا يشكل مؤتمر باريس من أهمية بالنسبة للعراق باعتقادكم؟
- هو بداية لوضع واهتمام دولي جديد لما يمر به العراق يتمثل بمعالجة الإشكالات الأمنية وذلك بمحاربة «داعش» والمجاميع الإرهابية والقضاء على الميليشيات، والتفاعل الأممي الكبير مع موضوع دعم العراق للخلاص من أزماته الأمنية أمر غير مسبوق، وما صدر عن المؤتمر هو تأكيد لما تقرر من قبل الدول الكبرى في محاربة «داعش»، وهذه بداية سيكون فيها للعراق دور كبير ومهم.
* هل هناك تصور لدى مجلس النواب لمعالجة الفراغ في موضوع علاقات العراق مع محيطه العربي؟
- نعم، هناك أكثر من طريقة لمعالجة هذا الموضوع الذي يحوز اهتمامنا، ودعني اكشف لكم أن مجلس النواب شرع بتشكيل وفود لزيارة الدول العربية بناء على دعوات وجهت للبرلمان من قبل المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات والمملكة الأردنية ومصر، وهذه الوفود تضم عددا من النواب ومن كتل مختلفة من أجل تطوير علاقات العراق مع الدول العربية، من دون علاقات عميقة مع محيطنا العربي نشعر بأننا لن نحقق شيئا وأن هناك إرباكا في الأمر.
رئيس مجلس النواب العراقي: في المرحلة السابقة لم يكن هناك احترام للقانون وللبرلمان
الجبوري أكد في حديث لـ {الشرق الأوسط} أنه من دون علاقات عميقة مع محيطه العربي لن يحقق العراق شيئا
رئيس مجلس النواب العراقي: في المرحلة السابقة لم يكن هناك احترام للقانون وللبرلمان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة