زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

أحمد رجب.. كنز الصحافة المصرية

مات أحمد رجب، وسكت القلم الذي أمتعنا عشرات السنين؛ وكنا نستيقظ كل يوم على ابتسامة وضحكة مجانية يمنحها أحمد رجب لقراء «نصف كلمة» بجريدة «الأخبار» المصرية اليومية و«أخبار اليوم» الأسبوعية. وظلت «نصف كلمة» النافذة التي يطل من خلالها أحمد رجب (ليصبّح) بها على الحياة ويقول لكل الناس: «صباح الخير.. يومكم سعيد».
بالتأكيد، هو عملة نادرة في الحياة كإنسان أحب وعشق مفردات لم ترها سوى عينيه هو؛ ولم يحتوِها سوى قلمه الذي سخّره لسعادة الناس؛ فكانت حرفته إسعاد البشر ومنحهم الأمل.. وكان يكفينا أن نقرأ «نصف كلمة» لنتأكد أن أحمد رجب كتب كل شيء نريد قوله لحاكم أو مسؤول كبير أو موظف صغير دون صراخ أو سباب أو هجوم؛ وإنما بأسلوب ساحر ساخر.. كلمات معدودة تصل إلى العقل، مرورا بالقلب أولا، فكنا نضحك ثم نعجب ثم نقول: أحسنت يا رجب!
الموت حق على كل حي؛ هذه حكمة وحكم الخالق العظيم منذ أن بدأ الخلق؛ ولكنه - سبحانه - جعل من بيننا أشخاصا موهوبين ومميزين، يبقى عملهم خالدا في الأرض لينفع الناس طالما قدّروه وحفظوه، ولذلك فأنا أدعو، ليس فقط وزارة الثقافة المصرية، وإنما كل مثقف عربي وكل من بيده المقدرة على حفظ أعمال أحمد رجب، بأن يبدأ اليوم، وليس غدا، العمل لإنشاء متحف لأحمد رجب؛ يحكي تاريخه ويضم مقتنياته وأعماله وصوره؛ وكل ما خطه أحمد رجب بقلمه.. هذا تراث وكنز يجب ألا نضيعه من بين أيدينا كما ضيعنا من قبله كنوزا وتراثا لعظماء عاشوا قبلنا أو بيننا وتركونا، فما كان منا سوى إهمال أعمالهم يطويها النسيان بدلا من أن نحملها للأجيال الجديدة ليتعلموا منها.. الأمم تنهض بتراكم المعارف والخبرات.. وإذا كنا ننعى أحمد رجب - أحد أساطين الصحافة العربية، فعلينا واجب نحوه وهو تخليد أعماله، وقد أصبح في عالمنا العربي مؤسسات ثقافية عملاقة تستطيع أن تحفظ تراث أحمد رجب للأجيال القادمة بوسائل تكنولوجية متقدمة. لا يكفي أن نسمع عن جائزة في الصحافة باسم أحمد رجب، ولن تفيد لقاءات التأبين والعزاء وما يلقى فيها من كلمات وأشعار.. ولكن، ما نريده هو أن نستفيد من أعمال أحمد رجب. نريد فيلما وثائقيا يقف على مواطن موهبة أحمد رجب وعبقريته؛ وهذه دعوة للمخرجة الشابة العبقرية ساندرا نشأت بأن تترجم حزنها على معلمها الذي كان يناديها «يا ابنتي» إلى عمل متميز يبقي ذكرى أحمد رجب، ويعرض في متحفه لكي نقول إننا كنا نستحق أن يحيا الرجل بيننا.
إن حزني على وفاة أحمد رجب ليس نابعا فقط من فقدان كاتب موهوب، وإنما لكونه صديقَ عمرٍ سَكَن قلبي وتأثرتُ بفكره وتعلمت منه الكثير؛ كنا نتحدث معا يوميا ونتقابل كل أسبوع، وحتى أثناء السفر والاغتراب عن الوطن لم يغترب بعضنا عن بعض وعن صداقتنا.. ويشاء القدر أن يغيّب الموت صديقي وأنا بعيد عنه خارج البلاد؛ فلا أعرف إن كان هذا رحمة بي من مشهد وداع قاسٍ أعلم أني لن أتحمله، أم أنها قسوة الحياة لتزيد من كرهي السفر والابتعاد عمن أحبهم وألازمهم في الحياة؟
ندعو لأحمد رجب بالرحمة والمغفرة وأن يسكنه الله فسيح جناته برحمته الواسعة؛ وندعو لأنفسنا بالصبر والسلوان.. وداعا أحمد رجب.