سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

لا البحرين كانت «كعب أخيل».. ولا اليمن سيكون

الأربعاء المقبل، سوف ينعقد الاجتماع الوزاري لمجموعة أصدقاء اليمن، في نيويورك، وسوف يكون عليه أن ينظر ماذا عنده ليقدمه لليمن السعيد، لعله يفارق تعاسته التي يعيشها، ولا بد أن يكون لدى هذا الاجتماع شيء يقدمه، حين ينعقد.. لا بد!
وعندما انعقدت الجامعة العربية في القاهرة، الأحد قبل الماضي، على مستوى وزراء الخارجية، فإنها دعت الدول الأعضاء، والمجتمع الدولي، والجهات المانحة، إلى الوفاء بتعهداتها إزاء اليمن، على المستويات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والمالية، لانتشاله مما هو فيه، وبمعنى أدق مما هو قد يكون ذاهبا إليه.
وفي اتصال تليفوني مع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، في نفس يوم اجتماع الجامعة على مستوى وزراء خارجيتها، قال عبد اللطيف الزياني، أمين عام مجلس التعاون الخليجي، إن دول المجلس تقف مع اليمن، في أزمته الراهنة، إلى أن يخرج منها، وأن الدول الأعضاء الست، لن تسكت على أي شيء يهدد أمن الدولة اليمنية، ويتلاعب باستقرارها.
نحن، بالتالي، أمام ثلاث مساندات ينتظرها اليمنيون، مرة من الجامعة العربية، ومرة من مؤتمر الأصدقاء والمانحين، ثم مرة ثالثة من دول مجلس التعاون الست: السعودية، الإمارات، الكويت، البحرين، عمان، قطر.
ورغم أن المساندات الثلاث معلنة على الملأ، ورغم أنها تعرف جيدا ماذا يحيط باليمن، وماذا يهدد كيانه، فإنها جميعا لا تزال تقف عند حدود النيات، ولم تتحرك بعد، لتتجاوز هذا الحد، حد النية المعلنة، إلى حد الفعل ذاته.
وإذا كانت هناك مساندة من بينها مرشحة، هي وحدها دون غيرها، لأن تترجم نياتها إلى أفعال، وقادرة على ذلك، فهي مساندة دول التعاون الخليجي، لأن هذا المجلس، من خلال عواصمه الست، يظل هو الأقرب إلى اليمن، وهو الألصق به، وهو الأدرى دون سواه، بحدود ما يواجه صنعاء في لحظتنا الحالية، كما أنه الأدرى تماما بعواقب ما يدق أبواب العاصمة اليمنية في كل صباح من وجوه الخطر.
ولا أعرف، ما هو بالضبط، نوع المساعدة التي يمكن أن تقدمها دول المجلس، لليمن، وبسرعة، كما لا أعرف ما إذا كان من الممكن - مثلا.. مثلا - أن تتحرك قوات درع الجزيرة، في اتجاه صنعاء، كما تحركت من قبل، في اتجاه المنامة، فأدرك المتآمرون على البحرين، وقتها فقط، وعندها فقط، أن وراء الدولة البحرينية درعا تستطيع أن تقف إلى جوارها في ساعة الجد.. لا أعرف.
ولكن ما أعرفه، أن مصدر الخطر على الإخوة في اليمن، اليوم، هو نفسه مصدر الخطر على الإخوة في البحرين بالأمس، وأنه، فيما يبدو، لما يئس العدو، من أن ينال من البحرين، في شرق الجزيرة العربية، أمام حضور قوات درع الجزيرة، استدار وتوجه نحو الجنوب.. جنوب الجزيرة العربية.. لعله ينال منها هناك، من خلال اليمن، إذا كان قد عز عليه، أن ينال منها هناك في الشرق.
مصدر الخطر هو نفسه، والذي يواجهه الأشقاء في اليمن، الآن، سبق أن واجهه أشقاؤهم وأشقاؤنا في البحرين، في الأمس القريب، ولا بد أن أي نظرة متأملة، لما تمارسه جماعة الحوثيين، مع الرئيس اليمني، ومع حكومته، ومع الشعب اليمني إجمالا، تقول إن الحكاية مكشوفة للغاية، وإن الذين فشلوا في مناوشة البحرين، قبل عام، أو أكثر، يعاودون المحاولة من جديد، متصورين أن شرق الجزيرة إذا كان قد صار محصنا بدرع الجزيرة، فإن جنوبها يمكن أن يمثل ثغرة، في غمرة ما تشهده المنطقة، في كل أركانها.
ولهذا كله، كان من المنطقي أن يطالب كثيرون، وأنا من بينهم، منذ وقت مبكر، بأن يكون اليمن عضوا في مجلس التعاون الخليجي، فليس أقرب من اليمن إليه، كمجلس، كما أن صنعاء، فيما هو ظاهر، تمثل مطمعا سهلا، لدى الذين يريدون أن يتخذوها، وكأنها «كعب أخيل» في الأساطير اليونانية القديمة.. أقصد الثغرة، أو نقطة الضعف، التي يمكن أن يمروا منها، أو أن يتسربوا من خلالها.
ومن الواضح أن شيئا لن يردع العابثين في اليمن، بمثل ما سوف يردعهم، أن يقال على لسان الزياني، إن اليمن إذا لم يكن قد صار بعد، عضوا في المجلس، وإذا لم يكن قد أصبح بعد، دولته السابعة، فهو بمثابة ذلك بكل معاني الكلام، وإن الدول الست، سوف تأتي عليها لحظة، لن تجد أمامها مفرا فيها، من أن تتعامل معها، كدولة جارة، وشقيقة، على هذا الأساس، وبوضوح كامل، وأن وضع اليمن، عندئذ، لن يختلف في شيء، عن وضع البحرين في وقته.
شيء من هذا، أتصوره مطلوبا، ودون إبطاء، حتى لا تؤتي الجزيرة العربية، من جنوبها، بعد أن استحال عليهم أن يأتوها من شرقها، وحتى لا يتخيل العابثون في يمننا السعيد، أو الذي كان سعيدا، أنه لقمة سائغة، أو أنه يقف وحيدا، فقديما قيل إن الذئب يأكل من بين الشياه، الشاة القاصية وحدها، وبما إن اليمن، ليس كذلك، ولا يجوز، فهو ما سوف يكون على الدول الست، أن تؤكده لنفسها، قبل أن تبرهن عليه لغيرها.