مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

«جاك الذيب»

في خبر بهي وسط هذا السخام والركام العربي، طالعت ما كتبه الناقد في هذه الجريدة الأستاذ محمد رضا حول الفيلم الأردني «العالمي» الذي طاف مهرجانات دولية ونال استحسان النقاد.
الفيلم الذي حمل اسم «ذيب» هو، كما وصفه الناقد رضا، مقاربة عربية تشبه أجواء أفلام الويسترن الغربية والساموراي اليابانية، لكن صورة البطل هنا ليست «كاوبوي» على صهوة حصانه، أو مقاتل ساموراي يمتشق حسامه القاطع، بل فارس بدوي نبيل.
لكن، كما ينبهنا الناقد، في حين أن هناك آلافا من أفلام الويسترن ومئات من أفلام الساموراي، لا توجد أفلام بدوية إلا بمقدار حفنة من الأعمال تم إنتاجها في مصر ولبنان.
ما هو الجديد في هذا الفيلم؟
حسب تحديد المطالعة الاحتفائية هو: «الفيلم البدوي الأول (ذيب) ليس الأول فقط من حيث إنه واقعي التصوير والشخصيات والبيئة ذاتها، بل هو الأول الذي يشبه، من دون تدخل من صانعيه، فيلم الويسترن الأميركي». بعيدا عن التفاصيل التقنية والفنية للفيلم، يبقى المهم الإطار التاريخي والاجتماعي والسياسي الذي تناوله هذا الشريط. الأجواء هي أجواء الحرب العالمية الأولى، التي كانت صانعة واقع وخيال هذا الشرق الذي نعرفه الآن، وهي الفترة نفسها التي تناولها الفيلم الهوليوودي «الكلاسيكي» الشهير «لورنس العرب» سنة 1962. الفرق أنه يتم تناول هذه الفترة برؤية عربية.
مخرج الفيلم الأردني (ناجي أبو نوار) جعل أحداث فيلمه تدور عام 1916، وقال في مقابلة مع الزميل رضا أجراها معه في فينيسيا قبل فوز المخرج بجائزة أفضل إخراج: «أحببت هذه الفترة المحددة لكون الثورة العربية ضد العثمانيين منحت الفيلم التبرير للبحث عن ملامح مشتركة مع أفلام الويسترن الأميركية الكبيرة».
السينما وكل الصيغ البصرية الفنية العربية ما زالت نائية عن الغوص المحترف في أمواج تلك المرحلة وما قبلها بكثير وما بعدها أيضا، كالحرب العالمية الثانية وانقلابات العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن، وملاحم وقصص الجزيرة العربية، ليست السياسية فقط، من حجازها لنجدها لخليجها ليمنها وعمانها.
لدينا قصص تروى، وملاحم تتلى، على المنصتين، وفيها كل عناصر الجذب والتشويق، ناهيك عن التثقيف والتنوير. نحن نعرف عن قصص التاريخ السياسي في أوروبا وأميركا، من خلال السينما، أكثر بكثير مما نعرف عن الأرض التي نمشي عليها!
أجواء الحرب العالمية الأولى، التي مرت ذكراها المئوية هذا العام (اندلعت 1914) حافلة بكثير من المواد الثرية والشخصيات الإشكالية، وقصص السياسة والدين والأقليات والخارج والداخل.
هناك قصص سياسية وعاطفية ودينية واجتماعية واقتصادية، جرت بسهول وصحاري الجزيرة العربية، جرود الشام وغاباته، بطائح العراق وأنهاره، نجود اليمن وتهائمه، وفي شواطئ المغرب ووديانه.
قصص خلدت أسماء شيوخ دين، ورجال حكم، وزعماء مجتمع، وصعاليك، وسادة، ونساء ورجال، لو رويت سينمائيا لأمتعت، وجلبت المال لصانعيها، وأهم من هذا غذت العقول وأثرت النفوس، كيف كنا وكيف صرنا.
أول الغيث قطرة، والفيلم الأردني يخبرنا بلهجة محلية أنه «جانا الذيب».