كم يبلغ حجم مخك؟ وهل تكفيك 800 متر مربع للإحاطة بتلافيفه وزواياه وأسراره؟ هذا هو رهان معرض جرى افتتاحه في باريس، هذا الأسبوع، ويحاول القائمون عليه أن يشرحوا للزائر البسيط، غير المتبحر في العلوم، كيف تعمل حجرات العقل وماذا يدور فيها. وفوق هذا، يمكن للزائر المتهيب من تعقيدات هذا الجهاز العجيب أن يخضع لتجارب يبدو معها العقل وكأنه لعبة مثيرة.
يقام المعرض في مدينة العلوم والتصنيع، ومن المقرر أن يبقى قائما لعدة سنوات، بحيث تتاح لطلاب المدارس في عموم فرنسا فرصة زيارته. ويحمل المعرض عنوانا غريبا تتداخل فيه أحرف مفردة «دماغ» بالفرنسية مع مجموعة من الأرقام. إنه ثمرة عمل شاق لمجموعة من الخبراء المتخصصين في هذا العضو الذي يعتبر «جهاز التفكير» عند البشر، بكل ما فيه من جزئيات وخلايا وشحنات وحافظات للذاكرة. إن ستانيسلاس دوين، البروفسور في «الكوليج دو فرانس» والمتخصص في علم النفس المعرفي، يعتبر أن الدماغ هو «الشيء الأكثر تعقيدا وإعجازا في الكون».
عليك، حين تخطو داخل «معرض العقل»، أن تنزع كل الأفكار المسبقة من عقلك، وأن تترك نفسك مثل تلميذ في يومه الدراسي الأول. وأنت قد تتصور جولة في محيط بارد معزز بالخرائط الغريبة والبيانات الصارمة المكتوبة بلغة لا يفهمها سوى الأطباء وجراحي المخ. لكنك ستجد نفسك في أجواء من الأحلام، وفي خط يقودك بارتياح عبر مسيرة مستوحاة من لوحات الرسام السوريالي البلجيكي «ماغريت»، مع ما فيها من مظلات وقبعات وغيوم. ويؤكد البروفسور دوين، المشرف العلمي على المعرض، أن المخ نفسه جهاز سوريالي، يسمح بتلقي ما هو واقع وحقيقي، وفي الوقت نفسه لا يتورع عن «الهلوسة».
وماذا عن عنوان المعرض؟ لقد اختفت أحرف العلة الموجودة في مفردة «سيرفو» التي تعني الدماغ بالفرنسية، وحلت محلها أرقام بسيطة مثل 3 و4. ومع هذا فإن الزائر يتوصل إلى قراءة الكلمة من دون صعوبة، من النظرة الأولى، وهذه هي أُولى ألعاب المعرض التي تكشف القدرات التي يتمتع بها الدماغ البشري، هذا الجهاز الذي يزن لدى الإنسان البالغ كيلوغراما وثلث الكيلوغرام، أي لا يشكل أكثر من 2 في المائة من وزن الجسم. لكن هذا الجهاز نفسه يستهلك 20 في المائة من الأكسجين و25 في المائة من الغلوكوز الموجود في الجسم.
عقلك «الصغير» هذا يحتوي على 86 مليار نورون، أي خلية عصبية. والنبضات العصبية ذات طبيعة كهربائية. ويقدر العلماء الشحنات الكهربائية التي تنتج في العقل، كل ثانية، بعشرات المليارات. إنه يبقى شغالا حتى عندما يكون المرء في ساعة راحة. وهي الأوقات التي نقوم فيها بهيكلة ما يحيط بنا وتوليد النوايا وعكسها على العالم الخارجي. إن العقل هو أيضا خبير ممتاز في الإحصاء، يستبطن بوادر العالم الخارجي ليتنبأ ويستبق ما سيقع خارج مكانه. لكنه يمكن أن يخطئ إذا نصبنا له فخا، مثل تقديم عبوتين مزورتين للحمل، الصغيرة منهما أثقل من الكبيرة. وبهذا فإن الذراع التي تمتد لحمل العبوة الصغيرة لن تكون مهيأة لثقل غير متوقع.
لعل أكثر ما يتأثر له الزائر هو التجارب المقترحة عليه والتي تتيح له اختبار دماغه. وهي تجارب مبنية على أحدث الدراسات الخاصة بعلم الأعصاب. وهناك تجربة تتوجه إلى أولئك الذين يعتقدون أن في إمكانهم القيام بأكثر من عمل في وقت واحد. والنتيجة تثبت لهم استحالة ذلك. فلكي يمكن السيطرة على إنجاز عملين بشكل جيد، لا بد من أخذ الوقت الكافي وإلا فإن احتمالات الخطأ كثيرة. وهناك تجربة أُخرى لطيفة تظهر للزائر أن تركيز النظر على صورة معينة فإن تفاصيل معينة منها تغيب عن البصر. وهناك فيلم يعرض على الزوار لمباراة يتقابل فيها فريق يرتدي لاعبوه ثيابا بيضاء مع فريق يرتدي ثيابا سوداء. ويكون المطلوب من المشاهد أن يحصي بكل انتباه عدد نقلات الكرة لدى الفريق الأبيض. وإذا به لا يرى الغوريلا السوداء تجتاز الملعب، عدة مرات، على مهل. ويتعرف الزائر، أيضا، على طريقته في مطالعة نص من النصوص والوقت الذي يمضيه في ذلك بفضل جهاز يسجل حركات عينيه.
وهناك في المعرض الكثير من المفاجآت، منها الدور الذي يلعبه ما يسمى بـ«العقل الاجتماعي»، من خلال عرض فيلم ترفيهي عن هذا الموضوع. والمقصود هو التعرف على ما تتركه أفكار الآخرين من تأثر على عقولنا. إن القابلية للفهم والتفسير الصحيح لنوايا الغير هما من المفاصل الأساسية للعيش وسط مجتمع. وفي حال المصابين بمرض التوحد، فإن من المرجح وجود خلل في «العقل الاجتماعي». ومن الطبيعي أن يركز العلماء جهودهم على فهم أسباب هذا الخلل لكي يتوصلوا لإيجاد العلاج، وهم مهتمون بهرمون «أوسيتونيك» الذي يتدخل في بلورة التلقي الاجتماعي وفي الرغبة في التواصل مع الآخرين.
7:57 دقيقة
مخك.. خبير اجتماعي وفنان سوريالي بارع في الإحصاء شرط ألا تخدعه
https://aawsat.com/home/article/182866
مخك.. خبير اجتماعي وفنان سوريالي بارع في الإحصاء شرط ألا تخدعه
تجارب مثيرة على عمل الدماغ في معرض جديد بباريس
مخك.. خبير اجتماعي وفنان سوريالي بارع في الإحصاء شرط ألا تخدعه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة