علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

إشارات المزاج العام في مصر

ليس صعبا رصد المزاج العام في مصر لمن يريد أن يفهمه بشكل صحيح، ورغم ذلك في أحيان كثيرة تخطئ قوى سياسية أو دول أو حتى حكومات مصرية في فترات مختلفة في قراءته فيكون مسارها مليئا بالمشاكل، أو تكون النتائج مخالفة لما كانت تخططه أو تتوقعه، أو ربما يكون هذا المزاج العام هو نفسه مرتبكا فيربك الذين يحاولون قراءته أو قيادته في اتجاه معين في بعض الفترات.
هذه الأيام إشارات المزاج العام لا يمكن أن تخطئها عين، خاصة فيما يتعلق بجمع المبلغ الذي سعت الحكومة لجمعه من خلال شهادات استثمار لتمويل مشروع توسعات قناة السويس، والإقبال على الاكتتاب الذي وصل إلى 61 مليار جنيه خلال 8 أيام، صحيح أن معدلات الفائدة لمدة 5 سنوات مشجعة، لكن الثقة هي العامل الأهم في نجاح اكتتاب بهذا الحجم الضخم في مدة وجيزة، وأن يكون هناك إقبال كبير من الجمهور عليه بهذا الشكل.
فهؤلاء الذين ذهبوا إلى البنوك أو الجهات التي تبيع هذه الشهادات في معظمهم ناس عاديون أو صغار مدخرين ليسوا من أصحاب الصوت العالي في السياسة، لكنهم هم الذين يشكلون السياسة في نهاية المطاف باعتبار أنهم يعبرون بشكل أو بآخر عن الناس العاديين أو الشارع الطبيعي، ولم يكن أحد يستطيع أن يجبرهم على الخروج أو إخراج الأموال من محافظهم دون رغبتهم، أو دون أن يكون قد حصل على ثقتهم، وعلى رهانهم بأن هذا الخيار الذي اختاروه سينجح مستقبلا.
هذه إشارة واضحة للمزاج العام الحالي في مصر من الصعب أن تخطئها عين وكانت هناك إشارات سابقة في الحياة اليومية تدل على أن الناس تريد أن تعطي الفرصة للنظام الجديد الذي كان ثمرة لما فعلوه في 30 يونيو (حزيران) 2013 لكي ينجح، وهناك تجاوب مع اللغة الجديدة في الخطاب السياسي التي يتحدث بها الرئيس السيسي في طرح المشاكل بصراحة وعرضها على حقيقتها وبالمدى الزمني والجهود التي تحتاجها لحلها بعيدا عن سياسة بيع الوهم للناس.
من الدلائل الواضحة على هذا المزاج العام الذي يريد إنجاح النظام الجديد تحمل الناس عبء الخفض الذي حدث في الدعم المقدم لبعض أنواع الوقود والطاقة، وهي خطوة لم تكن حكومات سابقة تجرؤ على القيام بها رغم معرفتها بأن هذا الدعم استنزاف للاقتصاد، وذلك خوفا من رد فعل غاضب من الشارع كما حدث في احتجاجات يناير (كانون الثاني) 1977 كما ظهر ذلك في تحمل الناس لمشاكل مثل الانقطاع المتكرر للكهرباء، رغم المعاناة وذلك لإعطاء الفرصة للنظام الجديد لإيجاد الحلول، ومعرفتهم بأن ذلك لن يتحقق بين يوم أو ليلة وأنه سيحتاج إلى وقت.
قد تكون الظروف المحلية خاصة الاقتصادية، والإقليمية الأمنية والسياسية، ليست سهلة بالنسبة إلى الجمهورية الثالثة في مصر، بالتأكيد هناك معارضة في الداخل أو مصالح قد يكون ما يجري ليس على هواها، ومشاكل في الخارج مع قوى دولية، لكن هذه الإدارة لديها ميزة لم تتوفر لحكم في مصر منذ فترة طويلة، هي هذا القدر من الثقة والشعبية بين مجموع كبير من المصريين ومزاج متجاوب لرأي عام عكسه نجاح اكتتاب شهادات القناة في فترة قصيرة، هذه الميزة تسهل خطوات الإصلاح، وتتيح فرصة كبيرة للنجاح إذا كان الأداء على نفس مستوى الثقة.