طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

الأرقام أم الإبداع!

من هو النجم؟ هل من الممكن في نهاية الأمر أن نُمسك بمقياس يقدم لنا إجابة؟ التاريخ يقول: إن من كان نجما في حقبة زمنية، ربما يمر زمن بعدها يخبو الوهج وينطفئ النور ويحل الظلام الدامس.
ليس هناك أفضل من نجم عالمي بحجم عمر الشريف ليجيب عن ذلك، ومن يعرف عمر يُدرك أنه لا يمكن أن يقول سوى ما يقتنع به بلا حسابات ولا حساسيات ولا تحفظات سياسية أو اجتماعية، يوما سألوه عن النجم المصري الذي تمنى العمل معه منذ أن غادر الوطن متجها إلى هوليوود قبل أكثر من 50 عاما؟ أجاب إنهما أحمد زكي وعادل إمام. أكد في عشرات اللقاءات أن أحمد زكي لو كان يتقن الإنجليزية لأصبح نجما عالميا بلا منازع، أما النجم الثاني فهو عادل إمام الذي شاركه قبل خمس سنوات بطولة «حسن ومرقص».
لو تحدثنا بالمشاعر والأرقام سوف نقول: إن نجم الإبداع الأول هو أحمد زكي ونجم الإيرادات الأول هو عادل إمام.. كل من زكي وإمام كان يرى في الآخر حالة خاصة هو لا يستطيع أن يكونها لكنه يقدرها، أحمد كان يرنو لكي يصبح نجم الإيرادات الأول، بقدر ما كان عادل يحلم بأن يصبح هو نجم المشاعر الأول. أحمد زكي حقق إيرادات في أفلامه وشركات الإنتاج ظلت تلاحقه وعندما رحل عن دنيانا كانت لديه على أقل تقدير ستة أفلام ينتظره منتجوها، في عدد قليل من الأفلام راهن زكي فقط على مردود الشباك لكنها لا تتجاوز أصابع اليد أو اليدين، إلا أن تاريخ أحمد زكي هو تاريخ الإبداع في فن أداء الممثل، إنجازه لم يتجاوز 56 فيلما أضاءت ليس فقط تاريخه ولكن تاريخنا السينمائي كله، لأن الإبداع الفني حتى لو لم يحقق في لحظة عرضه أرقاما كبيرة في الشباك، إلا أنه يملك عمرا أطول في الحياة، بل إن الزمن كثيرا ما يضيف إليه أبعادا أخرى، مع أحمد زكي تتحير ما الذي تختاره فهو لديه دائما لمحات لا تنسى وأدوار تتنفس وتعيش بعده، بينما إضافة أحمد زكي للشخصية كانت تملأها غنى وصدقا ومشاعر ودماء وحياة فهو نجم الإبداع الأول، ولهذا جاءت كلمة عمر الشريف في حياة أحمد وبعد رحيله لترصد حقيقة إنجازه في تاريخنا الفني!
عادل إمام صاحب القمة الرقمية الاستثنائية في السينما العربية، حالة نادرة بل هي مستحيلة أن تظل على قمة الشباك طوال أكثر من 30 عاما، رغم أن الزمن تغير ومزاج الناس متقلب والسينما تقدم للشباب وبنجوم شباب فهي منهم وإليهم، عادل كان هو الاستثناء، وعندما حدث الانقلاب الأبيض الشهير للسينما المصرية عام 1997 بفيلم «إسماعيلية رايح جاي»، وفوجئ بأن هنيدي يخطف الزعامة الرقمية من تحت قدميه، على الفور أعاد ضبط موجته، وهو ما تكرر بعدها أيضا مع صعود «اللمبي» محمد سعد في 2002. اختيارات عادل دائما ما تضع شرطا مبدئيا لا يتنازل عنه وهو القوة الرقمية المنتظرة في الشباك، ولهذا قد تجد في قسط وافر من أفلامه خفوت صوت الإبداع سواء على مستوى الفكر أو الرؤية الفنية، لأنه يحسبها تجاريا أولا، عادل تراه في أغلب أفلامه مسيطرا بحضوره الشخصي وأيضا كصورة ذهنية راسخة عند الجمهور، أحمد يتوارى خلف الشخصية الدرامية حيث يذوب تماما في كل تفاصيلها، بينما عادل يقفز على سطحها، قمة الإبداع في فن الأداء العربي السينمائي خلال الثلاثين عاما الأخيرة هو أحمد زكي، بينما عادل إمام هو نجم الإيرادات الأول، فإلى من تنحاز عزيزي القارئ، الأرقام أم الإبداع؟