نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

تكلفة البقاء في الصدارة

في كل وقت يثار فيه الجدل بشأن القدرات العسكرية المتصاعدة للصين وروسيا وغيرهما من منافسي الولايات المتحدة، يخرج علينا بعض المعلقين السياسيين لتذكيرنا بأن أميركا لا تزال مهيمنة بشكل كبير للغاية من حيث القدرات العسكرية والإنفاق الدفاعي. ومن شأن المعلق السياسي أن يشير عليك برسم توضيحي يعرض الإنفاق العسكري الأميركي الذي تتقزم حياله كافة القدرات العسكرية الأخرى.
لكن هناك الكثير من المشاكل تثور مع نقطة الحديث الجديدة تلك؛ الأولى تكمن في أن أرقام المبالغ الدولارية لا تدخل في تكلفة أي شيء تقوم تلك المؤسسات العسكرية بشرائه. فأقل جندي من جنود الجيش الأميركي أجرا يتقاضى 18 ألف دولار في العام. وبالمقارنة، في عام 2009، فإن الجندي الصيني على الجانب الآخر يتقاضى ما مقداره واحد على تسعة من ذلك المبلغ. وبعبارة أخرى، في عام 2009 يمكنك توظيف تسعة جنود صينيين براتب جندي أميركي واحد.
وحتى ذلك الرقم لا يأخذ في الاعتبار الرعاية الصحية ومزايا المحاربين القدماء. فتلك المنافع هي أعلى بكثير في العسكرية الأميركية عنها في العسكرية الصينية، رغم صعوبة التوصل إلى الأرقام الدقيقة التي تعبر عن ذلك. ويرجع ذلك إلى ارتفاع أسعار الرعاية الصحية في أميركا، وإلى ارتفاع الأسعار بشكل عام، فالرواتب والمزايا، في مجموعها، تمثل نسبة كبيرة من الإنفاق العسكري.
لكن تكاليف العمالة ليست هي المعامل الوحيد الرخيص في الصين. لاحظ أن الناتج المحلي الإجمالي للصين عند أسعار الصرف في السوق ليس سوى ثلثي الناتج المحلي الإجمالي هناك من حيث تعادل القوة الشرائية، مما يعني أن الصين وبكل بساطة، وباعتبارها دولة نامية، تدفع أسعارا منخفضة للغاية، مقابل الكثير من الأشياء. فبعض المدخلات العسكرية، كالنفط أو النحاس على سبيل المثال، يتم شراؤهما من الأسواق العالمية، ولن يعني الأمر شيئا لتعادل القوة الشرائية. وبالنسبة للآخرين، مثل الماكينات المعقدة، فالتكاليف متماثلة كثيرا. ولكن هناك أشياء أخرى – الطعام أو المنتجات محلية الصنع – من شأنها أن تكون أرخص كثيرا على منافسي أميركا، من الدول النامية، من أميركا نفسها.
أولئك الذين يتابعون القضايا الأمنية العالمية يعرفون تلك المسألة منذ فترة طويلة. ولكن بطريقة ما، لن تتوغل هذه الحقيقة في وعي المعلقين السياسيين أو سلكت طريقها إلى الرسومات البيانية المنتشرة على موقع «تويتر».
وهناك أسباب أخرى لا يذهب فيها الإنفاق العسكري الأميركي في واقع الأمر إلى أبعد مما هو الحال على الورق. وأحد تلك الأسباب أن أميركا، الموجودة في نصف الكرة الغربي السلمي وغير المأهول بصورة نسبية، تبعد كثيرا جدا عن موقع أي صراع متوقع. فلن تقوم الصين بغزو كولورادو (معذرة لمحبي «الفجر الأحمر»)، ولكن يمكن للصين غزو تايوان أو الهند. إن إرسال قواتنا، ببساطة، إلى الجانب الآخر من العالم يتطلب إنفاقات مذهلة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض الدلائل على أن الجيش الأميركي لا ينال صخبا كافيا حيال كل دولار ينفقه، كما كان الحال في العقود الماضية. ومن الصعوبة قياس ذلك، حيث إن الاختبار الحقيقي للاستعداد العسكري لا يتأتى إلا مع الحرب. ولكن في السنوات الأخيرة يبدو أن المؤسسة العسكرية قد أهدرت كميات مهولة من الأموال على برامج ذات قيمة مشكوك فيها، مثل الطائرة المقاتلة إف - 35 لايتننغ. فقد تصاعدت قيمة هذا البرنامج للسماء، حيث بلغت 400 مليار دولار – أي ما يقرب من 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي لعام واحد – وسوف تتصاعد تكاليفه أكثر وأكثر بمرور الوقت. ولكن الطائرة حتى الآن لا تعمل. ولا تعتبر الطائرة إف - 35 من الطائرات المميزة بشكل خاص. لكن البرامج التي على شاكلة الطائرة إف - 35 وفرت الكثير من الوظائف للمواطنين الأميركيين، ولكنها ظلت ذات فائدة مشكوك فيها للمؤسسة العسكرية الأميركية، حيث تجاوزت التكاليف التقديرات المبدئية لها. وفي ذات الأثناء، تتجاوز نظم الأسلحة الصينية الجديدة التوقعات الأميركية باستمرار.
وأخيرا، لدى أميركا أهداف تختلف عن أهداف منافسيها – وهي أهداف مكلفة للغاية، حيث تلتزم الولايات المتحدة بالدفاع عن حلفائها في أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط. يتحتم علينا الحفاظ على حاملات طائراتنا تجوب البحار والمحيطات والمحافظة على قواعدنا العسكرية في الخارج للوفاء بالتزاماتنا الحالية. من شأن ذلك أن يقلل بشكل كبير من كمية الأموال التي سوف نكون بالفعل قادرين على إنفاقها على حرب كبرى. وليس لدى الصين ولا روسيا، بطبيعة الحال، مثل تلك الالتزامات العالمية. إنه أمر مكلف للغاية أن تبقى في الصدارة.
لذا فإن كل المعلقين والنقاد السياسيين الذين يستمرون في تذكيرنا بأن أميركا تمتلك أعلى قدرة عسكرية في العالم يبالغون في طرح قضيتهم. لا تزال أميركا بالفعل تمتلك أقوى جيش في العالم، ولكن الهامش ليس بقدر الضخامة التي تصل إلى مسامعنا.
وليست تلك، بالطبع، مجادلة حول أن أميركا تحتاج إلى زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري حتى يمكنها الحفاظ على تفوقها وهيمنتها الساحقة. كان ذلك هو نفس المسلك الذي أوقع الاتحاد السوفياتي في ورطة في حقبة الثمانينات. بدلا من ذلك، وإذا كنت محللا للسياسات الدفاعية، فسوف أوصي بأن ندرك حدود قوتنا الوحدوية، وتجنب الاشتباكات التي لا طائل منها، ومحاولة بناء المزيد من الحلفاء، وإقناع بعض من حلفائنا لزيادة إنفاقهم العسكري.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»