محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

تحية لصلاح تيزاني

كتبت في هذه الزاوية سابقا متسائلا عن حال أولئك الممثلين الذين لم يحققوا الشهرة التي يستحقون؛ وها هي الأيام تمر بهم وقد كبروا. بعضهم يرحل عن عالمنا، والبعض الآخر ينزوي.. يقبل بما هو متاح.. إذا ما تذكّره أحد واستعان به.
لكنني ربما أغفلت، عن غير قصد، حقيقة أخرى، أو وجها آخر للحقيقة ذاتها: هذا المصير لا يطال فقط الممثلين المساندين والثانويين، بل يطال كل من يصل عندنا إلى سن لا يمكن معها أن يشهد اهتمام الصناعات الفنية (مسرح، سينما، تلفزيون) به، حتى ولو كان نجما مشهورا.
وهي ليست طبيعة الحياة، وإلا لما رأينا ممثلين أجانب في الثمانينات من العمر ما زالوا يعملون في السينما والتلفزيون اليوم. للمثال فقط؛ ماكس فون سيدو، الممثل المفضل للراحل إنغمار برغمن في الستينات وما بعد، الذي وسّع خارطة نشاطاته الجغرافية فظهر في أفلام خارج موطنه السويد، وكريستوفر لي، الممثل الإنجليزي الذي اشتهر بأفلام «دراكولا» في السبعينات، لكنه واصل العمل وخرج من تحت ذلك الرداء إلى أفلام وأدوار أكثر اختلافا. كل منهما تجاوز الخامسة والثمانين من العمر، لكنهما ليسا الوحيدين اللذين لا يزالان يعملان إلى اليوم.
أيضا لدينا ميريل ستريب. في الخامسة والستين من العمر، ولا تزال تعمل بنشاط. لديها مسرحية هذا الخريف، وتظهر في 5 أفلام جديدة منها 3 هذا العام.
الدافع للعودة إلى الموضوع فنان لبناني اسمه صلاح تيزاني أطلق قبل أيام قليلة صرخة في الفضاء. أعلن أنه مستعد لتمثيل أي دور مهما كان صغيرا لأنه لم يعد يملك ما يطعم العائلة. هناك من استكبر مسألة أن يعلن ممثل من تاريخه وحجمه إفلاسه المادي، لكن الغالبية شعرت بالأسف لكون الوضع الفني في لبنان (وهناك مثيل له خارج لبنان) يفرض على هذا الممثل وسواه إطلاق الصرخة والتعبير عن الألم من الواقع، والخشية من المستقبل.
ظهر صلاح تيزاني في الستينات في برنامج وضعه بنفسه وأطلقته محطة التلفزيون اللبنانية آنذاك، عنوانه «أبو سليم الطبل». لا وصف ممكنا اليوم لما شهده ذلك البرنامج الكوميدي من نجاح. كل أسبوع كان صلاح ومجموعته من الممثلين، وبينهم محمود مبسوط الذي توفي قبل نحو 3 سنوات بينما كان يؤدي دورا مسرحيا، وعبد الله الحمصي (الذي ما زال حيّا)، يسعدون عائلات لبنان من أعلى الشمال إلى أقصى الجنوب، وهذا ليس فعلا صغيرا أو قليل الشأن على الإطلاق وبصرف النظر عن الفذلكة الثقافية التي عادة لا تعترف بما هو شعبي وناجح وتعتبره مجرد أعمال صغيرة الشأن.
هناك أمثلة كثيرة منتشرة في سائر البلاد العربية.. فنانون في شتى المجالات من مخرجين وكتّاب وممثلين ومنتجين ومصورين ومهندسي صوت، وسواها من الحرف والمهن الفنية، يعيشون اليوم على الحافة، ولا وجود لمن يكترث.
وكان يمكن لمعظم هؤلاء أن يستمر نشطا وغزير الإنتاج لو أن الصناعة السينمائية والتلفزيونية والمسرحية كانت بخير. سابقا كان الممثل يواصل الظهور من دون حد زمني.. يبدأ شابّا، ويكبر وتكبر معه قائمة أعماله: ماري منيب، عبد الوارث عسر، أمينة رزق، نجمة إبراهيم.. وسواهم كثر. اليوم بالكاد يجتاز الممثل جيله.. يُحال إلى التقاعد في نحو 99 في المائة من الحالات.
هذه كانت الأيام الذهبية التي لا يطلق عليها هذا الوصف من فراغ، فالإنتاجات كانت غزيرة والممثل الجديد يبدأ وأمامه مشوار طويل، والقديم يقف في وسط مشواره واثقا من أنه، في الغالب، سيرحل وهو لا يزال قادرا على العطاء.
هل من وسيلة لإنقاذ صلاح تيزاني وسواه؟ هل نكون ذلك المجتمع المتفاني في حماية فنانيه كما هي الحال في مجتمعات أخرى، أم إننا مشغولون حاليا بأمور فنيّة أهم؛ مثل من هي نجمة الغناء الأولى، ومن الذي سيفوز هذا العام بلقب «آراب آيدول»؟