فؤاد مطر
أحد كتّاب الرأي والتحليل السياسي في «الشرق الأوسط» ومجلة «المجلة» منذ العام 1990 وقبلها عمل صحافياً وكاتباً في «النهار» اللبنانية و«الأهرام». نشر مجلة «التضامن» في لندن وله 34 مؤلفاً حول مصر والسودان والعراق والسعودية من بينها عملان موسوعيان توثيقيان هما «لبنان اللعبة واللاعبون والمتلاعبون» و«موسوعة حرب الخليج». وثَّق سيرته الذاتية في كتاب «هذا نصيبي من الدنيا». وكتب السيرة الذاتية للرئيس صدَّام حسين والدكتور جورج حبش.
TT

قطع رأس القومية العربية بسيف «الإسلام الداعشي»

تلقيتُ من أحد رموز العمل الوطني بكل الصمت غير المريب رسالة حول هذا الذي يجري، أكبرتُ في مفرداتها هذا التشخيص الموضوعي لواقع الحال.
مما جاء في الرسالة:
«لقد بدأت الصورة تتكشف شيئا فشيئا؛ فالفيلم السلبي (نيغاتيف) بدأ يتلاشى لتظهر الصورة لنا واضحة جلية. البداية كانت من المغامرين جورج بوش وابنه وعنوانها بدعة (الشرق الأوسط الجديد) بعد حُكْم أميركا الأحادي للعالم وإعلان بوش الأب ذلك في خطاب له. ثم أوكل للشعب الأميركي أمر انتخاب رئيس من خلفية مسلمة لتتم المهمة التي كانت فصولها ودراستها حاضرة في أدراج المخابرات الأميركية والغربية. وبدأ الرئيس المتردد باراك أوباما دوره وخطابه مِن على منبر جامعة القاهرة، العريقة في وطنيتها وعروبتها، المثقل بالوعود الكاذبة والجُمَل المخادعة.. ثم بزغ فجر (الربيع العربي) المسموم. والحقيقة أننا صُدمنا من ربيع لم تُرفع فيه راية للعروبة، أو تمَسكا بالقومية العربية وقضاياها، ومنها قضية فلسطين التي تاجر بها كل من نال شرف الحُكْم أو الولاية أو الحزب. ولذا فإن كل ربيع عصف وزمجر في بلاد العرب كان فاشلا وعفنا وأنتج المصائب الكبرى التي لم يتوقعها أحد.
الخطة الأميركية - الغربية لم تنتهِ هنا، وبدأت إسرائيل بإعلان نفسها دولة يهودية وتشترط بأن لا تفاهم ولا سلام دون الاعتراف بذلك. ومتأخرين عرفْنا أن الربيع المسموم كل غايته هي أن تتلاشى فكرة القومية العربية من النصوص ومن النفوس ومن الأغاني (مؤخرا صرنا نشاهد أسماء مطربين عرب تُكتب أسماؤهم بالحرف اللاتيني).
تتمة السيناريو:
تظهر فجأة شعبية الأحزاب والحركات الإسلامية بقوة وتتسلم الحُكْم في أكثر من بلد عربي وتتكشف لغتها دينية وضد القومية العربية فعلا لا قولا، إلا أن مصر فرَطت حبات السبحة ونجت بنفسها. أما بقية الأقطار العربية التي تغلغل سمّ ربيعها فيها، مثل العراق وليبيا واليمن، وإلى حد ما تونس، فقد ظهر فيها شيء اسمه «داعش».. نبتة برية متوحشة حملت سيف الإسلام لتضرب فيه الجيوش العربية في كل أرض حلَّت فيها (كما فعل الإخوان في مصر). الهدف هو الأمن، كمؤسسات وأفراد، الأمن العربي كقيادات في كل دولة من المحيط إلى الخليج. و(داعش) هذا الذي يرفع شعار الرسول وكلمة الله لم يمارس أيّا مما تحويه آيات كتاب الله من النصائح التي جعلت من الإسلام هداية، وذلك تنفيذا لمرجعياته في إيران وتركيا ومن ورائهما أوباما.
إن خرائط التقسيم جاهزة وبداية تنفيذها تجري على قدم وساق في أربيل. هذا بالنسبة إلى العراق، أما سوريا فإن خريطة تقسيمها على النار لم تنضج بعد.
أي (داعش) هذا الذي يخيفك يا أوباما؟ أي (داعش) هذا الذي لا تقدر عليه أمم العالم؟ أهو قوة إلهية تمشي على الأرض أم مجموعة من السوبرمانات الهوليوودية؟
المهم قطْع رأس القومية العربية بسيف (الإسلام الداعشي) وبها يصبح القرآن بلغات غير عربية تمشيا مع الواقع الجديد. هكذا تصبح لإسرائيل دولة يهودية...».
انتهت الرسالة التي أرى أنها تعكس مشاعر كل عربي وطني مستقيم الرأي، مسلما كان أو مسيحيا. وأعترف بأنها تُغني عن كل التنظيرات التي تمتلئ بها الصفحات أو تتناقلها ألسنة منظِّرين من خلال برامج حوارية تلفزيونية لا تلمس جوهر الحقيقة على نحو ما حوته الرسالة التي وصلتني ككاتب بغرض لفْت الانتباه والتعمق في الذي تكابده الأمة. ولكن عوض لفْت الانتباه وجدتُ نفسي أتبناها، وإلى درجة الشعور بأن مضمونها هو تحذير أكثر منه تشخيصا. تحذير لكل عربي بأن يتبصر فيما هو حاصل فلا ينخدع بأريحية أوباما وهولاند وكاميرون وآخرين يخوضون ماراثون تسليح البيشمركة على أساس أنها «رامبو» الذي سيأكل رأس «داعش»، مع أن الغرض، كما هو جلي في زفرات الرسالة، تدشين مخطط حذْف كلمة العروبة والوحدة والقومية العربية من كتاب الأحلام الجميلة. ومَن يعش ير ما أنتجه عناد الرئيس بشَّار الذي فرش البساط المضمخ بالدم «أمراء دولة الشام والعراق».