سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

توضيح واعتذار

اطَّلعتُ مقالاً في صحيفة بغدادية للدكتور ضياء نافع، الأستاذ في الأدب الروسي، يناقش فيه، بأدب جم وعلم كثير، موقف محبركم من الأدباء الروس. ويخلص إلى أنني أخلط بين مشاعري حيال المرحلة السوفياتية وبين مكانة الأدب الروسي. لا شك أن في المسألة إساءة تعبير. أي من قبلي. فلم يطلع الدكتور على الأرجح تلك الزوايا التي أحمِّلها بعض حبي لمن أعتبرهم أسياد الرواية في آداب العالم، وجميع من بعدهم تلامذة وغارفون من ينابيعهم. ومَن أكون لكي أتطاول على آثار مثل آثار تولستوي أو دوستويفسكي أو ألكسندر بوشكين أو حتى آخرهم ألكسندر سولجنتسين. وأنا لم أقل إن أدباء روسيا عانوا في عقولهم، بل قلت إن النظام الكافر بالحريات اتَّهمهم ظلماً بذلك. وقلت في هذا المعنى ما قاله السفير السوفياتي في بيروت، سولداتوف، على غداء أقامه غسان تويني وحضره الرئيس حسين الحسيني وأنسي الحاج والمحبِّر. وكان الراحل الحبيب أنسي هو الذي طرح على السفير سؤالاً حول معاملة سولجنتسين (قبل أن يسافر إلى أميركا) فضحك السفير من خلف أسنان ثعلبية شهيرة، وقال إن الكاتب العظيم يعاني من حالة عصبية!
كم قلدت الأدباء الروس في بداياتي، وكنت أبيع «الأسبوع العربي» قصصاً قصيرة موقعة بأسماء روسية خيالية وأدَّعي أنني ترجمتها. وكان رئيس التحرير الراحل وكاتب القصة القصيرة الجميلة ياسر هواري يرحب «بالترجمات». فلما اعترفت له بالحقيقة تضايق، وخسرت أنا مورداً أساسياً.
لكن في مرحلة لاحقة تقبل ياسر أن أكتب بأسماء مستعارة، خصوصاً روسية. وكان مراسلوه في الدول العربية يلحون عليه بألاَّ أسرِّع في قتل البطل أو القبض عليه، لأن ذلك سوف يخفِّض توزيع المجلة. وأنا مدين لياسر بأشياء كثيرة، منها ذلك الراتب المرتفع الذي كان يجزيه إلى اسم مستعار.
كان ياسر إدارياً رائداً. ومن جملة ما اعتمده أن النص الجيد ليس في حاجة إلى توقيع. وقد كان أصحاب الاسم المستعار، سمير صبري من الأمم المتحدة، الذي لم يكن سوى الزميل سمير صنبر. وكذلك مروان الجابري الذي كان من أساتذة المهنة. وأنسي الحاج، وكثيرون آخرون.
واعتمدت «الحوادث» و«الصياد» ومجلات أخرى هذه القاعدة. وظل المفكر منح الصلح، أشهر اسم مستعار في الأولى. وكذلك غسان كنفاني الذي عُرف باسم «ربيع مطر» الذي وقع به أيضا صاحب المجلة، سليم اللوزي. ودرج أيضا أن ينتقد كاتب نفسه في مجلة ويرد على نفسه باسم آخر. ولم يكن أحد يجرح أحداً. لم تكن الإنترنت حتى في المخيلة.