سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

متى البقية؟

إن أنسى لا أنسى، كما قال مغرِّدنا ابن الرومي، إن العقود الخمسة الماضية كانت لها أسماء أخرى: طرحت الناصرية فكرتها لإنقاذ العرب والعروبة والقضية والمجد الماضي ومجد المستقبل الآتي، فظهر البعث في الحكم بعد عقد واحد، وقرر أن الحل هو في الخلاص من الناصرية أولا.
رفع القوميون العرب والبعثيون شعارات متشابهة، وتآمروا على بعضهم في الجامعات والمجالس والغرف. وفي مناخ وطني حماسي قويت للمرة الأولى شوكة الرفاق الشيوعيين، فراحوا يلتقطون الصور التذكارية مع كل مناضل يرسم شاربين كثّين، وفي الخفاء يزدرون الفاشيين القوميين، فسحلوا وسجنوا، أو بالأحرى وزعوا على السجون النضالية في القاهرة وبغداد ودمشق. ثم جاءت 1967 في وجه الجميع. انتظرناها من الشرق فجاءت من الغرب. خدعة منحطة.
ظهرت الثورة الفلسطينية، فقال الدكتور جورج حبش: إن المهمة الكبرى قبل التحرير هي إنهاء الأنظمة الرجعية. وقال ياسر عرفات: بل بالمال الرجعي نحارب الصهيونية والإمبريالية. هاتوا القرار المستقل. فطاردته سوريا حتى طردته من دمشق شخصاً غير مرغوب فيه. وتنبه المناضلون إلى أن بلوغ النصر يبدأ في تدمير وحدة لبنان الإمبريالي الذي يمارس دعارة تسمى «حرية الرأي». فتضافر عليه جميع الأخوة.
وكان قد ظهر في ليبيا صاحب «النظرية الثالثة» التي يبدأ كتابها بجملة لا سابقة لها تقول، بل تحسم، إن «الأنثى أنثى، والذكر ذكر»، وألحق ذلك بمسيرة يلغي فيها الناصرية والبعث والقومية العربية والشيوعيين، وطلى الجدران بحكمة بليغة أخرى «من تحزَّب خان». وفي السودان قام السودان على السودان، وحل جعفر النميري محل محمد أحمد محجوب. وانتعشت الحرية في بلاد العرب وعمَّت الألفة وحررت فلسطين وأغلقت السجون السياسية وختمت البطالة ونزل العراقيون إلى شوارع بغداد يهتفون «هللي يا عروبة»، بينما كان الدكتور محمد سعيد الصحاف ينهي مؤتمره الصحافي بآخر إنذار للعلوج والأوغاد.
كان البعث العراقي قد بدأ المسيرة نحو فلسطين من منطقة المطلاع في الكويت، والبعث السوري بدأها من رأس بيروت، وانضم الناصريون السابقون إلى البعثيين، فيما يقضي قادة البعث المؤسسون أيامهم الأخيرة في السجون. وفي اليمن أرست صنعاء أرحم وحدة في التاريخ، وشمل ذلك صعدة التي أصبحت سعيدة في قلبها. قلب صنعاء. لم تعد السعادة وقفاً على اليمن، إنها تعم الأمة جميعا بأسماء أخرى: داعش. النصرة. الجهاد. الوهاد. العماد. الجواد... البقية في القرن المقبل!