خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

خطر المدعين بالدين على الدين

خلال أحد استعراضات صدام حسين، وفيما كان الجمهور على الجانبين يهتفون باسمه: يعيش بطل قادسية صدام، يعيش بطل العروبة والإسلام، يعيش قاهر الاستعمار... إلخ، كان أحدهم يهتف ويقول: «يعيش موحد الأديان!». استغرب زميله من كلامه فقال له: ما هذا يا صاحبي؟ من أين جئت بهذا الكلام؟ كلنا ما زلنا على ديننا، المسلم على دينه، والنصراني على دينه، واليهودي على دينه، من أين جئت بهذا الشعار؟ فأجابه صاحبه هامسا: يا رجل هو خلّى واحد على دينه؟ طلعنا كلنا من ديننا وتساوينا!
تذكرت الحكاية على هامش ما نسمعه في هذه الأيام من أعمال «داعش» و«بوكو حرام» و«القاعدة» ونحوها من التنظيمات الإرهابية الإسلاموية. ستؤدي أعمالهم إلى تشكك الإنسان بدينه.. «حَ يطلعون الناس من دينهم»!
حدثتني إحدى قريباتي في العراق ممن نكبوا في الموصل فقالت بكل حرارة وأسى: «يا خالد، الله سبحانه وتعالى ما بقى يسمع كلامنا ودُعانا. نصلي وندعو والله ما يسمع دُعانا».
وعلى هذا السياق، التقيت في لندن بصديق لي في شهر رمضان الماضي ووجدته يدخن. استغربت من أمره. فقد عهدته مؤمنا صادقا في إيمانه ملتزما بواجبات دينه. سألته: ما هذا؟ أراك تدخن سيجارة وأنت في رمضان؟ هز كتفيه وأجاب: عزيزي أبو نايل. أصارحك. بعد كل ما نسمعه بهالأيام عما يجري باسم الإسلام والدين، ويسرحون ويمرحون ولا أحد يحاسبهم، لا وأكثر من ذلك، المسلمون الآخرون يلتحقون بهم ويمدونهم بفلوسهم، بعد كل هذا، أصبحت في دوامة.
من المعروف أن الإيمان الديني خاصة في الغرب أصبح مهددا في هذا العصر. لم يعد أكثر الغربيين يؤمنون ولا يذهب للكنائس في هذه الأيام غير نتفة قليلة جدا من الناس. وراحت الإدارة الكنسية تبيع كنائسها بأبخس الأثمان لتصبح كازينوهات قمار ودعارة. فالغربيون أصبحوا يصدقون أوراق الكوتشينة أكثر مما يصدقون صحائف الإنجيل والتوراة.
هل ستعبر هذه الموجة مياه البحر المتوسط فتصل ديارنا وتغمر مدننا؟ لا أشك مطلقا بأن ما تفعله هذه التنظيمات الإرهابية والأحزاب والكيانات المدعية بالإسلام أيضا من استهتار بأرواح الناس وتراث المنطقة، ومخادعة البسطاء بادعاءات {الشهادة} في قتل الأبرياء، والتضحية بالحياة التي كرمنا الله تعالى بها، تؤدي في آخر المطاف إلى زعزعة الإيمان في قلوب الناس وعقولهم، ما لم نضع حدا لها.
المؤسف في الأمر حقا، أن هذه الزمرة المجرمة تضيع على الإسلام والمسلمين فرصة كبرى للاعتلاء بدينهم بين الأمم وتوسع شأنه عالميا. هناك إقبال كبير على الدين الإسلامي وتراث الإسلام وفلسفته وتعاليمه منذ سنوات. وتضخم الوجود الإسلامي في كل مكان بتدفق الملايين من المسلمين للدول الغربية، بيد أن فظائع الإرهابيين وغرامهم بسفك الدماء وهدم التراث أصبح يعكر هذا المد الفكري والروحي للرسالة المحمدية، حتى لا أملك غير أن أقول لا حول ولا قوة إلا بالله.