عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

هل ننتظر تكرار سيناريو «داعش» في ليبيا؟

الأنباء غير المؤكدة التي جرى تناقلها خلال الأيام القليلة الماضية عن غارات جوية نفذتها مصر والإمارات العربية في ليبيا لمنع الإسلاميين من فرض سيطرتهم على طرابلس، أثارت اهتماما وربما دهشة. فالإمارات تاريخيا سارت على نهج اختطه مؤسسها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في النأي بنفسها عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، إلا إذا كان الأمر للوساطة أو لمد يد العون والمساعدة. أما مصر فإنها لسنوات طويلة انكفأت على الداخل، وتبدو اليوم غارقة في همومها ومشاكلها المتراكمة منذ ثورة يناير (كانون الثاني) 2011.
من هنا كانت التسريبات عن الغارات الجوية في ليبيا مفاجئة، لأنها لو صحت لكانت مؤشرا على تغيير كبير في السياسة الإماراتية، وعلى تحول في مواجهة مصر مع خطر «الإخوان» الداخلي. الإمارات ومصر سارعتا إلى نفي التسريبات التي كانت محيرة لأن مصدرها واشنطن، ولأنها بدت وكأن الغرض منها إحراج الدولتين. الغريب أن واشنطن التي قيل إنها «عاتبة» لأنها لم تُستشر، تتدخل في كل مكان وحيثما اقتضت مصالحها، من دون أن تنتظر إذنا، بل وفي غالبية الحالات من دون أن تتشاور مع أحد. قبل 3 أيام فقط تلقى العالم خبر الغارة الأميركية على الصومال، وهي ليست الأولى بالطبع. كما أن أميركا في الوقت الذي كان فيه مسؤولون في إدارتها ينقلون لوسائل الإعلام تسريباتهم عن الغارات التي استهدفت مواقع للفصائل الإسلامية المسلحة في طرابلس، كانت طائراتها تشن غارات على مواقع دولة «داعش» «الإسلامية» المزعومة، وتدعم بالسلاح قوات البيشمركة لمساعدتها في المواجهة مع الخطر الجديد الذي اقتطع مساحات واسعة في سوريا والعراق.
فكيف تبيح واشنطن لنفسها التدخل ومواجهة خطر المتطرفين، وتبدو عاتبة إذا تصدت مصر أو الإمارات لخطر الإسلاميين الذين هددوا أمنهما الداخلي؟ بل يجوز التساؤل: لماذا «تعتب» واشنطن إذا كان التحرك من دول عربية تريد حماية أمنها ومواجهة خطر يريد بها شرا، وتسكت عن غارات إسرائيل التي امتدت من العراق وسوريا ولبنان إلى السودان، ناهيك بغزة التي ارتكبت فيها إسرائيل مذابح بشعة؟
التسريبات الأميركية أضافت إلى غموض الصورة؛ خصوصا أن إسلاميي ليبيا اتهموا في البداية القوات الموالية للواء السابق خليفة حفتر بقصف مواقعهم بالطيران وأعلنوا أيضا إسقاط طائرة تابعة لقواته، لكنهم عادوا ليتهموا بعد ذلك مصر والإمارات بشن هذه الغارات، من دون تقديم أي دليل يسند هذه الاتهامات.
بغض النظر عن النفي المصري والإماراتي، يمكن للمرء أن يجادل بأن من حق الدول العربية المهددة أكثر من واشنطن، بخطر الحركات الإسلامية المتطرفة أو «المعتدلة» التي تريد فرض سيطرتها ولم تتوانَ عن استخدام السلاح والإرهاب لتحقيق أهدافها.. من حق هذه الدول التحرك لحماية أمنها. الإمارات مثلا واجهت مخططا إخوانيا لزعزعة الاستقرار وقلب نظام الحكم. أما مصر فتخوض معركة حقيقية مع «الإخوان» الذين لم يقبلوا بأن الشارع الذي جاء بهم، أطاح بهم أيضا بعد أن كشفوا عن وجههم الساعي للهيمنة والانفراد بالسلطة. في سياق هذه المعركة، صعّدت تنظيمات متطرفة مسلحة عملياتها الإرهابية في أنحاء مختلفة من مصر، وبالذات في سيناء التي يبدو أن هناك من أراد أن يطبق فيها سيناريو سيطرة «داعش» على أراض لإعلانها دولة خلافة. القاهرة ربما تشعر بالقلق أيضا لأن سيطرة الميليشيات الإسلامية المسلحة على طرابلس سيفتح شهيتها للسيطرة على ليبيا كلها، مما سيقود لمعارك أوسع يأتي فيها إسلاميون من الخارج لدعم «دولة» إخوانهم. في سيناريو كهذا ستصبح مصر مطوقة بحزام إخواني من الغرب والجنوب والشرق.
الأوضاع في ليبيا غامضة ومقلقة ومؤلمة.. فما يحدث في ظل الفوضى التي ضربت البلد مع اقتتال الميليشيات المتصارعة، انقلاب بقوة السلاح ينفذه إسلاميون يجدون مؤازرة أطراف خارجية؛ فإسلاميو ليبيا رفضوا الاعتراف بالبرلمان الجديد المنتخب وبالحكومة الانتقالية وأعادوا المجلس التشريعي السابق الذي كانوا يسيطرون على الأغلبية فيه ونصبوا رئيس وزراء من قبلهم.
السؤال الآن: هل تقف الدول العربية متفرجة حتى تدمر ليبيا أو تصبح دولة فاشلة تكون مرتعا لحروب لا تتوقف، أو أرضا خصبة يتسلل إليها متطرفون يبحثون عن مواقع يقاتلون فيها ويرفعون أعلامهم السوداء؟
الوضع العربي قد لا يكون مواتيا لأي عمل مشترك واسع، وهذا أمر محزن، لكنه ليس مبررا للاستمرار في سياسة الترقب والعجز التي يضج الشارع العربي بالشكوى منها ومن تداعياتها. هناك حاجة إلى قوة عربية مشتركة لمواجهة المخاطر التي تلتهم دول المنطقة واحدة تلو الأخرى. وإذا لم يمكن إنشاء هذه القوة عن طريق الجامعة العربية، فلتكن عبر حلف بين القادرين أو الراغبين، قبل أن تمتد نيران الفوضى لتقضي على أكثر مما قضت عليه حتى الآن.