سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

«لماذا يكرهوننا؟».. كلاكيت ثاني مرة

بعد مرور 12 عاما على السؤال الذي أطلقه بوش الابن عام 2001، إثر حادثة تفجير برجي التجارة في نيويورك «لماذا يكرهوننا؟»، ويقصد الشعوب العربية، هل توصل الأميركيون إلى إجابة شافية؟ وهل نجحوا في القضاء على هذا الشعور السلبي؟!
عكفت أشهر مراكز الأبحاث وبيوت الاستشارة كمؤسسة راند، ومعهد هدسون، وكارنيغي، وعدد كبير من الباحثين في المجلات المتخصصة، للإجابة عن ذلك السؤال، وتوصلوا إلى نتيجة تضمنت توصيات لمعالجة مشكلة النظرة السلبية لأميركا قدمت على شكل مبادرات ومشاريع وخطط وبرامج للإدارة وللأحزاب السياسية، من أجل إعادة بناء علاقة جيدة بين الشعوب العربية والشعب الأميركي كي يتجنب الاثنان كارثة كالتي حدثت في 2001.
المعادلة التي قدمتها تلك الدراسات اجتمعت على نتائج متشابهة، بأن السبب الذي جعل الشعوب العربية تكره الولايات المتحدة الأميركية يكمن في دعم الأخيرة لأنظمة ديكتاتورية قمعية «تكرهها» هذه الشعوب، وأن الحل يكمن - أيضا باختصار شديد - في تقديم الدعم لهذه الشعوب ومساعدتها لإسقاط هذه الأنظمة وتغييرها عبر تمكين الأقليات والجماعات الدينية «المعتدلة» وتدريبها على مبادئ الديمقراطية، فماكس سنجر مثلا مؤسس معهد هدسون اقترح على وزارة الدفاع في أغسطس (آب) 2002، تقسيم السعودية، ونشر التقرير في جريدة «هيرالد تربيون» في 22 أغسطس، وتقرير آخر لمؤسسة راند نصح فيه الخبير الاستراتيجي راند لورن موريس الإدارة الأميركية بالسيطرة على حقول النفط، كذلك بالنسبة لمصر وتونس وليبيا أوصت الدراسات بتمكين «الإخوان المسلمين» ودعمهم، معظم الدراسات كانت تحث على إسقاط الأنظمة العربية وتوصي بالاتصال بالشعوب مباشرة ومساعدتها في التغيير، وهكذا تأمن الولايات المتحدة الأميركية على نفسها ومصالحها وفق هذه الدراسات حين تتكفل هذه الجماعات والأقليات بالقضاء على التشدد والتطرف.
ومنذ 2002 بدأ التنفيذ وتجاوزت الإدارة الأميركية بالفعل الأنظمة والحكومات وخرقت برتوكولات دولية، واتصلت مباشرة بقيادات الجماعات الدينية باعتبارها القوى الأكثر قبولا في الشارع العربي. وفي 2003 سقط النظام العراقي بتدخل عسكري ومساعدة فصيل عراقي دخل العراق معها على ظهر الدبابة. وفي عام 2011 سقطت أنظمة أخرى بواسطة القوى الناعمة المدعومة بعناصر من الجماعات الإسلامية الشيعية والسنية فسقط النظام التونسي والليبي والمصري واليمني، وكاد ينجح المشروع في البحرين لولا ستر الله، وها نحن الآن عام 2014، أي بعد 12 عاما على تنفيذ ما جاء بتلك الدراسات والبحوث؟ نعيد طرح السؤال من جديد: هل نجحت الولايات المتحدة الأميركية في القضاء على الشعور السلبي عند العرب تجاهها؟ وهل تعلمت الجماعات الدينية درس الديمقراطية بعد كل ما بذل من مال أميركي لهذه الدروس؟
الاستطلاع الذي نشره مركز «بيو» للأبحاث ومقره واشنطن قبل شهر، وبالتحديد في 16 من يوليو (تموز) 2014، أكد أن 85 في المائة من الشعب المصري لديه شعور سلبي تجاه الولايات المتحدة الأميركية، و82 في المائة من الأردنيين لديهم هذا الشعور، وأن المراكز السبعة الأولى للشعوب الأكثر كرها للولايات المتحدة الأميركية في العالم كانت دولا عربية!!
ولو امتدت هذه الدراسة لدول مجلس التعاون لاكتشفت أن هناك مشاعر سلبية عميقة مشابهة، وقد تقترب من النسب المصرية والأردنية، وفي اعتقادي أن ذلك متحول خطير لم يكن موجودا قبل 2011، فرغم أن 17 من أصل 19 من منفذي تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) ينتمون للدول الخليجية، فإن ذلك لم يكن يعكس واقع وحقيقة نظرة الشعوب الخليجية للشعب الأميركي. فالشعوب الخليجية تتمتع بمستوى معيشي مرفه وبعيدة جغرافيا عن بؤرة الصراع العربي الإسرائيلي، وبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين دولة كالإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية 10 مليارات دولار عام 2013 (جريدة «الاتحاد» 11 يوليو 2014)، فما بالك بحجمه مع بقية دول المجلس؟ وهذه كما ذكرت تجارة غير نفطية، أي أننا نقيس حجم المصالح المشتركة بعيدا عن أهم صادرات الأنظمة للولايات المتحدة الأميركية، ثم تأتي السياحة، ثم البعثات الدراسية للكثير من الطلبة الخليجيين في الكثير من الولايات الأميركية، ثم يأتي الشغف بالإنتاج الفني ونمط الحياة الأميركية، وتلك اهتمامات ليست لها علاقة بالاتفاقيات الأمنية التي ترتبط بها أنظمة دول المجلس مع الولايات المتحدة الأميركية، أضف إليها امتنان هذه الشعوب لدور الولايات المتحدة الأميركية في تحرير الكويت، حتى سمى أحد الكويتيين ابنه «بوش» تيمنا ببوش الأب، كل تلك المؤشرات تؤكد أن الشعوب الخليجية لم تحمل مشاعر سلبية تجاه الولايات المتحدة الأميركية رغم كونها شعوبا عربية، لذا حين تلمس شعورا سلبيا بدا يبرز وينتشر في هذه المنطقة التي تعد أكثر معاقل «الفانز» الأميركية في هذا الإقليم، فإن الأمر يستحق أن نقف عنده.
من الواضح أنه بدلا من القضاء على ذلك الشعور السلبي تمت مضاعفة عدد الذين «يكرهون» الولايات المتحدة الأميركية، وانتقل هذا الشعور من المتشددين الإسلاميين إلى المعتدلين والليبراليين والعلمانيين وشرائح وفئات مجتمعية أخرى كانوا من الحلفاء للشعب الأميركي كالتجار والمرأة وآخرين ممن كانوا يسبحون ويحمدون حبا بأميركا قبل 2011 وفوجئ بها وقد سلمت رقابهم للجماعات الدينية في دولهم، مما يعني الحكم على كل مكتسباتهم المدنية بالموت.
النتيجة أن الشعور السلبي ضد «الأميركان» لم يتصاعد رأسيا فحسب، بل توسع أفقيا وشمل آخرين كانوا في عداد المدافعين عن كل القيم والمبادئ التي كانت تمثلها هذه الدولة «الحلم» بالنسبة لهم، اصطفوا كلهم بعد 2011 مع الذين يكرهون أميركا.
حتى «الديمقراطية»، وهي الهدف الثاني الذي سيحسن العلاقات بين الشعوب العربية والشعب الأميركي فشلت الإدارة الأميركية في تحقيقها بجميع معاهد ومبادرات الديمقراطية التي أنشأتها رغم أنها طبقت «المانيول» الذي زودتهم به مراكز الأبحاث حرفيا مع من اجتمعت بهم من قيادات تقليدية أو قيادات شابة من الجماعات الدينية جهدت الماكينة الإعلامية في صناعتها، فشلت جميعها لأنهم خذلوها حال تمكينهم من السلطة.
فبعد كل الجهود التي بذلت وبعد مليارات الدولارات التي اقتطعت من جيب دافع الضرائب الأميركي لتنفيذ توصيات المبادرات التي تقدمت بها مراكز الأبحاث الأميركية، نجحت الولايات المتحدة الأميركية بالفعل في إسقاط الأنظمة وحل الجيوش العربية، إنما تركت فراغات سياسية في العالم العربي ملأتها الجماعات الدينية المتشددة «حزب الله» و«عصائب الحق» و«داعش» و«النصرة» والحوثيون، ودخل الحرس الثوري الإيراني إلى الأراضي العربية لأول مرة، وها هم العرب يشكلون الآن نصف عدد اللاجئين في العالم، وقتل منهم خلال السنوات العشر الأخيرة مئات الآلاف.. فهل توصلت المتسائلون إلى جواب يشبع فضولهم لسؤال «لماذا يكرهوننا»؟!