د. سلطان محمد النعيمي
كاتب إماراتي
TT

العقوبات الأميركية وتأثيرها على سير المباحثات

في الوقت الذي تستعد فيه كل من إيران و«5+1» لجولة جديدة من المباحثات على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خلال سبتمبر (أيلول) الحالي الذي يعد الاجتماع الأول بعد تمديد فترة مباحثات البرنامج النووي الإيراني حتى 24 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي - قامت الولايات المتحدة الأميركية بفرض عقوبات جديدة على أكثر من 25 شركة وفردا إثر اتهامات بخرق العقوبات المفروضة على إيران.
وما إن جرى الإعلان عن هذه العقوبات حتى بدأ الداخل الإيراني بالتفاعل سريعا تجاهها، موجها سيلا من الانتقادات للإدارة الأميركية، مؤكدا أن مثل هذه العقوبات ستؤثر سلبا في سير المباحثات حول البرنامج النووي. ويأتي هذا التفاعل ليطرح بدوره تساؤلا يتمثل في أنه هل بالفعل يمكن لهذه العقوبات أن تدفع إلى توقف المباحثات أو عرقلتها؟
نسير مع القارئ هنا لنحاول الوصول إلى إجابات عن هذا التساؤل.
بداية، تمثل المنظور الأميركي لهذه العقوبات الذي جاء على لسان ديفيد كوهين، نائب وزير شؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، أن ما قامت به الولايات المتحدة بفرضها هذا الحظر يعكس العزم على الاستمرار في اتخاذ إجراءات ضد أي شخص، في أي مكان، ينتهك العقوبات المفروضة على إيران.
ومما تقدم يمكن أن نستقرئ أن الجانب الأميركي ينظر للعقوبات الجديدة تجاه الشركات والأفراد على أنها جاءت نتيجة خروقاتها ضوابط قد أقرت في السابق تجاه إيران. ومن ثم، فإن هذا الأمر لا يؤثر في سير المباحثات، بل إنه إجراء أكدته الولايات المتحدة بأن هذه المباحثات لا تعني أن العقوبات المفروضة على إيران لم تعد قائمة.
الساحة الإيرانية وتفاعلها مع العقوبات الجديدة تسير بشكل مغاير لذلك. فالرئيس الإيراني حسن روحاني يرى أنها عمقت بشكل إضافي انعدام الثقة القائم بين البلدين. وأنها ستؤثر في مجرى المباحثات. كما صرح مساعد وزير الخارجية الإيراني، مجيد تخت روانجي، بأن السلوك الأميركي المزدوج غير مقبول ألبتة، لأنهم يدعون حرصهم على تسوية القضية من جهة، لكنهم يلجأون إلى مثل هذه الممارسات من جهة أخرى. وما كان للأصوليين في البرلمان الإيراني أن يفوتوا هذه الفرصة دون انتقاد لاذع للإدارة الأميركية وربط هذا الأمر بمن يسعى لعودة العلاقات مع الولايات المتحدة وهو ما سار له منصور حقيقت بور عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان بقوله: «لقد رأينا عدم الثقة بالأميركيين، إذ لا مبرر يدعو لفرض حظر عقيم آخر من جانب أميركا على أعتاب المفاوضات القادمة بين إيران ومجموعة (5+1)... إن الحظر الجديد مؤشر على نوايا أميركا الخبيثة، حيث لا ينبغي عقد الأمل على إقامة العلاقة معها أبدا».
قائمة التصريحات الإيرانية تطول ويصب مجملها في انتقادات لاذعة وشكوك وتأكيدات على ما ذهب له المرشد في عدم الوثوق بأميركا ومن ثم التأثير في سير المباحثات التي اختزلتها المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية بقولها إن هذه الخطوة في الظروف الراهنة ستترك تأثيراتها السلبية وغير البناءة على مسيرة المفاوضات النووية. فهل يعني ذلك أن هذا الأمر سيظهر مؤشره سلبيا في المباحثات؟
إن المتتبع لسير المباحثات بين إيران و«5+1» بعد التوصل للاتفاق المؤقت منذ فبراير (شباط) 2013 يدرك أن هذه العقوبات ليست العقوبات الأولى المفروضة منذ ذلك الوقت. ففي أبريل (نيسان) الماضي، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية أسماء أشخاص ومؤسسات جديدة في قائمة العقوبات. كما اضطرت بنوك أوروبية كبرى مثل بنك «دويتشه» الألماني و«إن بي باربيا» الفرنسي إلى الوصول إلى تسويات مع الولايات المتحدة في ظل خروقات للعقوبات المفروضة على إيران.
ومن ثم، فإذا كان هنالك تأثير سلبي مباشر على المباحثات بين إيران و«5+1» بسبب فرض عقوبات جديدة فإنه كان سيظهر في الفترة السابقة. ولكن ورغم التصريحات الإيرانية، فإن النظرة المتفحصة لهذه الإجراءات الجديدة ترى أنها لم تخرج خارج سياق العقوبات المفروضة سابقا، وهو ما يؤكده الجانب الأميركي.
لا شك في أن الإدارة الأميركية تدرك ضرورة إبداء حسن النية تجاه إيران، ولذا فإنها سعت جاهدة إلى الحيلولة دون فرض الكونغرس الأميركي عقوبات جديدة على إيران سعيا لإعطاء الدبلوماسية فرصتها للوصول إلى حل نهائي. هذا الأمر بدوره لا يعني بأي حال من الأحوال ضرورة التفريط في متابعة العقوبات الحالية ومعاقبة من يقوم باختراقها.
على الجانب الآخر، يدرك الجانب الإيراني أن السعي الأميركي للإبقاء على تلك العقوبات يأتي باعتباره الأداة القوية التي يستند إليها في مباحثاته مع إيران حول برنامجها النووي، وأن فرض عقوبات على الشركات والأفراد مؤشر على عزم الإدارة الأميركية الاحتفاظ بهذه الورقة.
وإذا عدنا للسؤال: هل يمكن أن تؤثر تلك العقوبات في مباحثات البرنامج النووي؟ فإنه يمكن القول إن الفريق الإيراني المفاوض سوف يسجل موقفه خلال المباحثات المقبلة، وستأتي التصريحات التي تؤكد أن الفريق الإيراني ناقش هذا الأمر وأبدى اعتراضه على ذلك، ولكن في الوقت ذاته سيبقى تصريح حسن روحاني، المتمثل في سير الفريق الإيراني المفاوض قدما، مدعوما من المرشد والشعب الإيراني، حتى الوصول إلى الهدف النهائي - مؤشرا على أنه ورغم تلك العقوبات الجديدة فإن المصلحة تقتضي ضرورة الاستمرار في تلك المباحثات حتى لا تؤول الأمور إلى فرض عقوبات جديدة تدفع بالوضع الاقتصادي الإيراني إلى مزيد من المصاعب.