مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

عطار مصر ودهر سوريا

يلاحظ في الفترة الأخيرة ارتفاع نغمة مصرية تدعو لإطلاق مبادرة للحل في سوريا. هي ليست أول، وربما ليست آخر، مبادرة تطرح للخروج من التيه السوري المخضب بالدماء. الدولة المصرية مرت بمرحلة فقدان وزن وضياع بوصلة مع انفراد جماعة الإخوان بحكم مصر بطريقة متهورة ملحمية، ولكن استعادت مصر «نكهتها» وهبّ الشعب المصري وطالب برحيل محمد مرسي ممثل الإخوان في القصر، وساند الجيش المصري هذه الهبة، وبارك ودعم من قبل حركة التمرد الشبابية. الآن تفرغت مصر للقيام بدورها الطبيعي في المنطقة، وهي الدولة العربية الرائدة، ونجحت في الاختبار الأول مع حرب غزة التي تخضع لحكم جماعة حماس الإخوانية، وأفلحت في تخليص غزة من أن تكون ورقة مقايضة ومزايدة للدول الداعمة لجماعات الإخوان.
دعت الدبلوماسية المصرية الدول المعنية للعمل على مكافحة الإرهاب، وفي المقدمة «داعش»، وعقد لذلك مؤتمر جدة في السعودية، وحضر فيمن حضر دولة قطر، التي هي في نزاع خليجي مع الدول الثلاث السعودية والإمارات والبحرين، ولكن تم القفز على هذا الأمر، من أجل توحيد الجهود ضد «داعش». وقطر لا يمكن، في هذه المقاربة، الاستغناء عنها في جهد كهذا. عقب المؤتمر قال وزير الخارجية سامح شكري، لصحيفة «عكاظ» السعودية: إن مصر تسعى لجمع أطراف الأزمة السورية لتحقيق مصلحة الشعب السوري. هل هذه «بركات داعش»؟! فبسبب فجورها واستعدائها للجميع، وتشكيلها خطرا على كل الحقائق القانونية والجغرافية والديموغرافية القائمة في المنطقة، يجب على الكل تناسي خلافاتهم أو تأجيلها لمواجهة الإعصار الداعشي؟
صحيح أنه يجب مكافحة «داعش» بكل قوة، لكن هل صحيح أن هذا يجعلنا ننسى المخاطر الأخرى؟
الخشية أنه في خضم الاحتشاد، المطلوب بلا ريب لمكافحة «داعش»، نرحّل ألغاما إلى المستقبل. النظام الأسدي، كما نعرف، بادر لاهتبال النفير العالمي ضد «داعش»، لإعادة إنتاج شرعيته.
مصر لديها مزاج مغاير للمزاج الخليجي تجاه الأزمة السورية، من أسبابه غلبة الروح الناصرية في السياسة الخارجية، واستنساخ الحالة المصرية في سوريا. وطبقا لهذه المقاربة، فإنه بما أن الجيش في مصر كان هو الحامي وهو المستهدف من الإخوان ومن يدعمهم، إذن فالجيش «العربي» السوري كذلك. هذه مقارنة مضللة وفقيرة، فالجيش «الحالي» في سوريا جيش يخدم الطائفة التي تحضن الأسرة التي تدير البلاد وترهنها رهانات خطيرة مع إيران الخمينية.
«داعش» خطر ماحق، وكذلك نظام بشار الأسد.. والشعب السوري ومعارضته، ضحايا لهذه الكماشة الشيطانية.
نهاية أغسطس (آب) من العام الماضي، كان في هذه المساحة توقع بولادة هذا الخلاف بين الرؤيتين السعودية والمصرية تجاه الحال في سوريا، بعنوان: «نعم.. مختلفون حول سوريا». أشرت فيه إلى هذا التباين الذي كان مغمورا بخضم الدعم السعودي للعبور المصري، دعوت فيه لتأسيس إطار يمكن فيه «التعايش» بين الخطابين، الخليجي والمصري، تجاه الأزمة السورية. من حينه جرت في الساقية مياه كثيرة، وبردت عداوات وتبرعمت صداقات جديدة.
[email protected]