محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

الجمهور الذي في البال

واحدة من أهم وأكبر العقبات التي تواجه كاتب السيناريو النبيه هي كيفية شرح شخصيّته الرئيسة إلى المشاهدين. قد يكون بطل الفيلم (ذكرًا أو أنثى)، وقد تنص الفكرة على أنه يستيقظ من نومه وحيدًا ذات صباح. يحضّر نفسه للخروج وها هو الآن في طريقه إلى محطّة القطار ربما حاملًا حقيبة يد صغيرة. يركب القطار الذي ينطلق بعد قليل.
من هو؟ لماذا هو؟ إلى أين هو ذاهب؟ هل هي رحلة عمل أو إجازة؟
إذا ما كان السيناريو يريد تقديم شخص وحيد، فإن المشكلة واضحة: سوف لا يستطيع هذا الشخص البوح بما يقوم به. عليه سيختار المخرج توزيع لقطات معيّنة. مثلًا يعاين الشخص المذكور بطاقة السفر فنقرأ اسم المدينة التي يتوجّه إليها، أو نسمعه يذكر اسم المدينة حين يشتري البطاقة. في هذه الحالة واحد من الأسئلة أعلاه تمت الإجابة عنه ليستبدل بسؤال آخر: لماذا؟
هناك جوٌ يتألّف من هذا المنحى الفردي لشخص سنمضي معه هذا الجزء من الرحلة على الأقل منفردًا. إذا ما قرر السيناريو الإجابة عن الأسئلة أعلاه فرّط في قيمة الوضع الماثل وعمد إلى الحل الأسهل مثل أن يأتي مكان ذلك الشخص في القطار لجانب شخص آخر يتبادل وإياه الحديث فيبوح الأول بكل ما يلزم للتعريف بنفسه وسبب رحلته.
وهكذا نجد أن الشخص في البطولة أوضح في كل جواب شيئًا عن رحلته أو شيئًا عن نفسه. حتى ولو أعاده المخرج إلى حالة من الصمت فإن الجو الذي أشاهده في البداية تم اختراقه ولم يعد مؤثرًا كما كان الحال قبل ذلك.
طبعًا، يمكن أن يتم إخراج المشهد بذكاء، لكنه ليس تمامًا المشهد ذاته الذي كان سيعكس الغموض والوحدة. وهناك أيضا طريقتان إضافيتان لهذا الوضع. إما طريقة الصوت الداخلي المسموع الذي يقوم بشرح كل شيء فيسهّل المهمّة أمام المشاهد، أو بوضع شخص ثان يسمونه بالإنجليزية Sidekick مهمّته أن يصبح مضرب البينغ بونغ المواجه فيتم حل كل شيء بحوار متواصل من اللحظة الأولى.
الطريقتان ليستا في مقام المشهد لو بقى فيه التمثيل منفردًا حتى وصول ذلك الشخص إلى مبتغاه في الفصل التالي من الأحداث. فالأولى تعترض فإذا بصوت الشخص يتكلّم ليفصح عن أفعال ومشاعر الشخصية، والثانية (وهي الطريقة الأسوأ) تودي بالسريّة والغموض إلى نهاية سريعة بلا كيان فني صحيح. كلاهما يعترف بوجود جمهور في الصالة لذا وجب الإيضاح أن التعليق أو الحوار هو السبيل للتفسير. المخرج الذي يقرر إحدى هاتين الطريقتين منوالًا لا يستطيع التراجع عن هذا الفعل لاحقًا، لقد قرر أنه يريد من الجمهور أن يواكب بطله وقد فهم من اللقطة الأولى ما يريد القيام به. لا تساؤلات غير مجاب عنها. بالتالي لا فن يُعمل به للخروج عن المنحى التقليدي والحال أسوأ بكثير لو كرر المخرج إسماع مشاهديه ذلك الصوت الداخلي كل قليل أو لصق المخرج بطله بالشخصية المساندة الذي ربما كان خفيف الظل ومثيرا للضحك ليؤدي دور السائل والمجيب ويضفي قدرًا من المرح أيضًا. هنا ضاع الفيلم تمامًا وهبط من مستواه المنشود إلى وضع هزلي لا علاج له. المشهد الصامت الذي قد يستمر هكذا لبعض الوقت أكثر قيمة من أي حل آخر لأن على الكتابة والإخراج هنا تشييد عمل يحمل هاجسًا ويتعامل مع المعطيات بقراءة غير مباشرة ولأن المخرج سيضطر لاستخدام أدوات تعبير بصرية في دلالات محسوبة تستوجب توظيف موهبته عوض الاتكال على الحلول الجاهزة.