سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

السعودية.. حرب على الإرهاب وليس معركة

وكأن الحرب على الإرهاب اندلعت فجأة، وكأن العالم بأسره كان يعيش في استقرار وسلام، فلما عاثت «داعش» في الأرض فسادا، صحا العالم من حلم جميل على وقع طبول حرب «داعش» وأخواتها واقترابها من أطراف أوروبا. تهافت قادة الغرب على العمل فورا لمحاصرة هذا الخطر الداهم. اقتنعوا أخيرا أن الإرهاب ليس شرطا أن ينحصر في موقعه الحالي، كما كانوا يطمئنون، وقد يصل إلى أبعد نقطة عن أرضه. اقتنعوا أخيرا أنه حتى بافتراض احتراق الشرق الأوسط وحده بنار الإرهاب، وعدم اتساع دائرته لأوروبا وأميركا، فإن مجموعة من أبناء الغرب أضحوا متطرفين أيضا، وسيكونون حطبا لهذه الحرب الشرسة. للأسف ينشغلون عن بديهيات كانت أمامهم، ثم يرفعون الصوت عاليا وكأنهم للتو وجدوها.
الرئيس الأميركي باراك أوباما يقول إن «داعش» سرطان يجب استئصاله ولا يشكل خطرا على العراق وشعبه فحسب، بل قد يهدد «مصالح الأميركيين». رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يصرح بأن «داعش» «قد تستهدفنا في شوارع بريطانيا». الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قال إنه سيقترح قريبا عقد مؤتمر حول الأمن في العراق ومحاربة «داعش»، معتبرا أن الوضع الدولي اليوم هو «الأخطر» منذ العام 2001. الواضح أن كل هذه المواقف الغربية الحازمة على حين غرة، لا يمكن اعتبارها إعطاء «داعش» أكبر مما تستحقه، بقدر ما أن التنظيم الإرهابي هو في نهاية الأمر فرع لتنظيم متعدد الأوجه، يظهر يوما بشكل «القاعدة» وآخر بوجه «جبهة النصرة» ويوما ثالثا بـ«داعش»، وهكذا، فقد تنتهي أسطورة «داعش» قريبا، لكن من يضمن عدم ظهور مفاجآت أخرى في المستقبل القريب على شاكلة هذه الجماعات سهلة التأسيس سريعة الظهور؟!
لأكثر من 10 سنوات وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يواصل مساعيه لإقناع العالم بضرورة التحرك الجماعي لمكافحة الإرهاب، لذا فإن خيبة أمله من المجتمع الدولي، كما عبّر عنها الملك في خطابه قبل الأخير، وتقاعسه عن التجاوب مع المحاولات السعودية الحثيثة لاستكمال منظومة مكافحة الإرهاب، لم ينطقها أحد بمكانة الملك عبد الله إلا بعد أن كان، ولا يزال، أكثر زعماء العالم تحذيرا من نار الإرهاب، وكانت الرسالة الأوضح هي تحذيره بأن الصمت العالمي سيخرج جيلا يؤمن بالعنف. هل صدق العالم أخيرا تحذير الملك عبد الله؟!
ظل الغرب طويلا وهو يربط بين الإسلام والإرهاب، وظل المسلمون، الحقيقيون، يشرحون ويقنعون بالأدلة والبراهين، أن هذا الإرهاب لا دين له، بل إن الدول الإسلامية، وعلى رأسها السعودية، أكثر من اكتوى بناره، فلما اقتنع الغرب، جزئيا على الأقل، بأنه لا رابط فعلا بين الإسلام والإرهاب، ظهرت نغمة أخرى بأن السعوديين، مثلا، هم حطب تلك الجماعات الإرهابية، وعندما تقول لهؤلاء إن السعودية أصدرت قرارا بتجريم المقاتلين في الخارج، يردون عليك بأنه على السعودية أن تسعى أكثر لمنعهم من القتال بأي طريقة. إذن لماذا لا تسعى الدول الغربية لمنع أبنائها من القتال في سوريا والعراق؟ فبحسب تقرير نشرته هذه الصحيفة فإن هناك 100 أميركي يقاتلون في سوريا، ويوجد 450 بريطانيا و700 فرنسي و270 ألمانيا، ويجيب بيتر بيرغن محلل الشؤون الأمنية وقضايا الإرهاب لدى «سي إن إن» عن سؤال حول الأسباب التي تجعل «داعش» تنظيما شديد الخطورة على أميركا والغرب، بالقول: «سبب الخطر هو عدد الأوروبيين المقاتلين في صفوف التنظيم، ما يعطي التنظيم الإمكانية لتقديم الخبرات العسكرية لأولئك المقاتلين وتدريبهم على الهجمات وصناعة المتفجرات».
خادم الحرمين أكد أن المتخاذلين عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب من أجل مصالح وقتية أو مخططات مشبوهة سيكونون «أول ضحاياه في الغد، وكأنهم بذلك لم يستفيدوا من تجربة الماضي القريب، التي لم يسلم منها أحد». إلا أن المعضلة أنَّ أي تحركات يقوم بها الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، ضد الإرهاب، تكون بصورة وقتية وكأنها رد فعل مقرون بمصالح سياسية. حتى هذه اللحظة لم نرَ استراتيجية وحربا طويلة على الإرهاب، وهو مؤشر خطير على استمرار الإرهاب حاضرا، ويتنامى بشكل أكثر قوة و«سرطنة»، طالما أن التعاطي الغربي مع مكافحة الإرهاب يعتمد على البراغماتية السياسية والمصالح المؤقتة.
هناك فرق أن تكون استراتيجيتك حربا على الإرهاب لا هوادة فيها، أو تكون معركة لا تلبث أن تخفت يوما وتشتعل يوما آخر.