حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

{الاتجار بالبشر}.. وعالم الرياضة!

الاتجار بالبشر له أبعاد مختلفة؛ المقام الأول قضية إنسانية أخلاقية تم التركيز عليها مؤخرا بشكل مكثف لإبراز العديد من الأمثلة التي تقع فيها الدول والأفراد والمؤسسات، وتكون في واقع الأمر نماذج صارخة على الاتجار بالبشر بشكل عملي. ولعل من أهم الأمثلة التي يتم الاستشهاد بها هي قضايا العمالة المنزلية والعمالة القادمة من الدول الفقيرة لتعمل في مجالات البناء والنظافة والمهن الشاقة، وكذلك الأمر بالنسبة لعمالة الأطفال من هم دون السن النظامية. وطبعا الاتجار بالبشر الذي له علاقة بشبكات الدعارة القسرية وبالإكراه.
الاتجار بالبشر له أشكال أخرى متعددة، والكثير منها محاط بهالات الفخامة والإبهار والمجد، ولعل أحد أبرز هذه الأمثلة الصارخة هو ما يحدث في عوالم الرياضة المحترفة؛ فسوق اللاعبين اليوم تحولت إلى ما يبدو أنه تجارة العبيد والرق، إذ يشاهد رؤساء الأندية والوسطاء والسماسرة وهم يتفاوضون ويتزايدون في «أسعار» اللاعبين بشكل جنوني، وذلك في مزادات علنية، ويتم تداول أخبارها حول العالم عن طريق وسائل الإعلام التقليدية والجديدة. أموال مهولة وضعت مثل «الجزرة» لتغري لاعبين جاءوا من خلفيات اجتماعية واقتصادية وثقافية متواضعة، لا يملكون غير موهبة رياضية، والأسعار المعروضة عليهم (بشروط يستفيد منها أطراف أخرى مثل السماسرة وشركات التأمين والمحامين والأندية، أكثر مما يستفيد منها اللاعبون أنفسهم أحيانا).
يظهر هذا المشهد بتفاصيله الغريبة في سوق اللاعبين ومزاداتهم في الرياضة المحترفة بالولايات المتحدة، فتخرج الكثير من المقارنات الأليمة المخزونة في الذاكرة التاريخية لأميركا وحقبة تعاملها مع مواجهات حقوق الأقليات من أصول أفريقية، فمشاهد مزادات اللاعبين لها «مواسم معينة» وتقدم بصورة احتفالية على شاشات التلفزيون، ومعظم اللاعبين المعروضين في تلك المزادات هم من أصول أفريقية ومن خلفيات فقيرة جدا، ويكون الوسطاء والمستفيدون والقائمون على هذا الاستعراض الكبير من الرجال البيض، فتأتي المقارنة الفورية في علاقات العبيد السود بأسيادهم البيض، وكيف كانت الاستفادة القصوى تأتي من خلال استغلالهم. وطبعا بدأت العديد من القصص المؤسفة في الظهور على السطح والتي تروى بألم وأسى كبيرين، وكيفية «الخلاص» من اللاعبين بعد تعرضهم لإصابة أو انتهاء الحاجة إليهم، فيتركون بعاهات مرضية أو علل اجتماعية ونفسية، ولا تستطيع النقابات الممثلة لهم، ولا القضاء، إنصافهم.
ونفس المشاهد تتكرر مع المواهب الآتية من أميركا الجنوبية والبرازيل تحديدا، وكذلك من القارة السمراء أفريقيا، وهذا المشهد موجود في معظم الدول بطبيعة الحال والتي حصل فيها الاستغلال البشع للمواهب الفقيرة بمبالغ فيها الكثير من المغريات والتي تفيد فئة دون اللاعب المعني. قرأت في الفترة الأخيرة، كمّا غير بسيط من الكتب والمقالات والقصص التي تبرز حجم مأساة الاتجار بالبشر في عالم الرياضة الباهر والذي تغطيه مؤسسات عملاقة ذات مصالح مهولة لا تريد أن تخرج الصور المؤلمة والقصص الصادمة للعامة حتى لا تؤثر على مظهرها الخارجي أمام الجماهير العريضة التي تتابعها حول العالم، وخصوصا أن هناك مبالغ مهولة معرضة لأن «تتأثر» في حالات الفضائح والقصص السلبية سيسحبها الرعاة المؤثرون وبالتالي يكون حجم الضرر المالي والمعنوي مهولا على هذه المؤسسات الكبرى.
الاتجار بالبشر قد يحصل في الشوارع المظلمة والأزقة الموحشة والأقبية المعتمة، أو في الملاعب الكبرى ووسط الجماهير الغفيرة، وهذه أشكال لعمل منظم ومقنن لا بد من الكشف عن المستفيدين منه والأضرار التي قد تقع بسببه، منعا لاستمراره؛ لأن ذلك في المقام الأول مسألة أخلاقية وإنسانية مرفوضة بالفطرة ويجب أن تحارب.