علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

عودة الغرب القديم

في اللحظات التي بدأ فيها تنظيم «داعش» في طرد المسيحيين من بيوتهم ونهب أموالهم وممتلكاتهم وسرقة وثائقهم، في حملة وحشية لم يعرفها تاريخ المنطقة من قبل في تعامله مع أقلياته المستقرة على أرضه.. في تلك اللحظات استطاعت «داعش» أن توقظ داخل الغرب المعاصر، غربا آخر كنا جميعا نعتقد بأنه مضى بعيدا بغير رجعة، وهو الغرب المسيحي، وهو الاسم الأكثر بروزا وشهرة في الصراع بين الشرق والغرب الذي حدث أثناء الحرب الصليبية.
إن ما حدث للأقليات العراقية وللمسيحيين على يد تلك الجماعة الوحشية التي ظهرت بيننا فجأة، قادمة من خارج التاريخ ومن خارج دائرة الحضارة، أدخل الغرب المعركة شريكا لنا في مواجهتها، ليس تعاطفا مع طائفة أو طوائف تعرضت لظلم كبير في بلادها أو بسبب سقوط الدولة في بلادها، بل بوصفهم أهلا في حاجة سريعة للمساعدة والحماية.. إنها عاطفة الدين، أقوى العواطف داخل البشر. فحتى اللادينيون منهم ستجدهم يشعرون بنفس الألم لما حدث لأهل دينهم.
الواضح الآن هو تكاتف دول الغرب جميعا واجتماعها على هدف واحد هو القضاء على «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في المنطقة العربية وفي دول الغرب. ليس الهدف هو تجريدهم من السلاح، بل تجريدهم من أرواحهم القادمة من الجحيم. هذه معركة لا تعرف قواعد السياسة أو الآيديولوجيات، بل تعرف شيئا واحدا؛ أن هناك عدوانا تم على الوجود المسيحي، وعلى دول الغرب جميعا أن تثأر من أصحاب هذا العدوان. غير أنه في كل الأحوال علينا ألا ننسى أن المعركة أساسا هي معركتنا وأن الضحايا هم مواطنونا.
ليكن ما حدث دافعا لنا على التخلص من كل الأفكار المتطرفة التي تبدو في البداية غير ضارة، بل ومثيرة للضحك إلى أن تتضح الأهداف المخبولة لأصحابها. عندها نندم لأننا لم نحسم الأمور في البداية. أعطيك مثالا تتكلم عنه الجرائد المصرية هذه الأيام.. ظهرت جماعة لا يتعدى عددهم العشرات، يعيشون في عزبة ويكفرون كل الناس وكل شيء تماما، كما كانت تفعل جماعة شكري مصطفى، التي أطلق عليها اسم «جماعة التكفير والهجرة» هم يكفرون الدولة بكل مؤسساتها ولا يتعاملون معها، بما في ذلك تكفير من يحصل على شهادة ميلاد من الدولة أو أية وثيقة أخرى. حتى الآن رد فعلك الطبيعي تجاه هذه الجماعة هو الرثاء والابتسام إشفاقا. أنت لا تشعر بأنهم مصدر لخطر ما، تماما كما كانت فكرتنا عن جماعة شوقي مصطفى، ثم استيقظنا ذات يوم لنكتشف أن الجماعة قد اختطفت وزير الأوقاف وهو أيضا عالم جليل ثم قتلته.
الأمر يتطلب مرور بعض الوقت ليضرب المتطرف ضربته، فبعد ممارساته الطويلة لأفكاره البلهاء، لا بد أن يحولها لفعل على الأرض. طول الوقت هو يردد أنتم كفار وأعمالكم كلها حرام، بعدها يكون من الطبيعي أن يتطوع هو بتقديم الفعل الحلال وهو أن يقتل أحد علماء الدين بطلقة رصاص في عينه اليسرى!!
كل أنواع التطرف حتى لو بدت في البداية لا خطر لها، قادرة على قيادة بعض الشباب إلى طريق «داعش».
[email protected]