راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

عاصفة تدفن الإرهاب والديكتاتورية في حفرة واحدة!

انهمرت دماء الصحافي الأميركي جيمس فولي على البيت الأبيض مثل صاعقة، بعدما كانت إدارة باراك أوباما قد تعامت ثلاثة أعوام ونيفا عن المذابح والفظاعات الدموية، التي لم تشكّل بيئة حاضنة للإرهاب فحسب، بل استقطبت آلاف الإرهابيين من العالم للقتال في سوريا، ولم يكن هذا خافيا على أجهزة الاستخبارات الغربية التي تعرف بالتحديد عدد رعاياها الذين استجلبتهم رائحة الدماء!
لقد بدا التعامي عن سقوط مائتي ألف قتيل وعن استعمال الأسلحة الكيماوية، وكأنه نوع من الرضا ما دامت سوريا قد تحوّلت مصيدة جيدة تساعد الأميركيين والروس وغيرهم للخلاص من الإرهابيين، الذين أعلنت وزارة الخارجية الأميركية قبل ثلاثة أشهر أن عددهم 12 ألفا بينهم 100 أميركي.
فجأة استيقظت واشنطن والعواصم الغربية على كابوس «داعش» الأبوكاليبسي، التي كانت قاتلت المعارضة إلى جانب النظام وذبحت وقطعت الأعناق في أمكنة كثيرة كالرقة والحسكة ودير الزور، بعد الانهيار المفاجئ والملتبس للجيش العراقي الذي وضع نقاط الداعشية على حروف الاستكانة الأميركية والغربية.
قبل أن يكتب ديفيد كاميرون: «كافحوا الآيديولوجيات السامة الآن أو واجهوا الإرهاب في شوارع بريطانيا». كانت المقاتلات الأميركية قد بدأت قصف مواقع «داعش» عند تخوم أربيل حيث المصالح والاستثمارات الأميركية الكبيرة، ومع سيطرة الإرهابيين على سد الموصل تصاعدت العمليات خوفا من تدمير السد الذي يمكن أن يغرق المدن وصولا إلى بغداد.
رغم سيطرة «داعش» على مساحة مائة ألف كيلومتر من الموصل إلى الرقة، بما فيها آبار للنفط وأسلحة أميركية حديثة كانت مع الجيش العراقي، لم يكن الحديث يتجاوز الدعوة إلى تسليح الأكراد والاعتماد على البيشمركة في شمال العراق، والقبائل السنّية في الأنبار، في معزل عن التنسيق مع بغداد، ثم جاء جو بايدن يدعو صراحة إلى كونفدرالية عراقية، ليؤكد أن واشنطن تراهن على دومينو لتقسيم المنطقة يبدأ من العراق!
وعشية جريمة ذبح فولي أجمعت التحليلات على أن الرهان الأميركي الصهيوني يقوم على إشعال الفتنة المذهبية بين المسلمين بما يفتح سوقا مزدهرة للسلاح والنفط، ولم يكن هناك تصوّر أن وحش الإرهاب يمكن أن يكون عابرا للقارات رغم ارتفاع المخاوف في العواصم الغربية من عودة رعاياها من سوريا لتنفيذ عمليات في بلادهم.
أكثر من هذا، كانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد نقلت عن رئيس موظفي البيت الأبيض دينيس ماكدونو المقرّب من باراك أوباما في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تساؤله عن مصلحة أميركا في وقف العنف في سوريا لأنه «يمكن أن يبقي إيران منشغلة لسنوات، ثم إن القتال بين (حزب الله) و(القاعدة) قد يكون في مصلحة الولايات المتحدة».
ذبح فولي قطع حبل التعامي في البيت الأبيض، الذي ابتلع كل الاتهامات التي ساقتها هيلاري كلينتون وجون ماكين إلى أوباما لأنه ترك فراغا في سوريا ملأه الإرهابيون، وأن عدم المساعدة في بناء جيش معتمد من الذين كانوا وراء المظاهرات المعارضة للنظام السوري، حيث كان هناك علمانيون وإسلاميون وكل ما بين الاثنين خلق فراغا سارع الإرهابيون إلى ملئه.
صاعقة دماء فولي ضربت جميع المتعامين عن 200 ألف قتيل في سوريا، وفجأة أصبحت «داعش» التي تتغول منذ عام ونيف في سوريا ثم العراق، تمثّل في نظر أوباما «سرطان الدولة الإسلامية التي يجب القضاء عليها، ونحن سنذهب بعيدا، فأميركا لا تنسى ونحن صبورون والعدالة ستأخذ مجراها»، واستيقظ الجنرال مارتن ديمبسي الذي طالما عارض التدخل في سوريا على أن القضاء على «داعش» يفرض ضربها في سوريا أيضا.
الآن تعمل أميركا على خطين؛ خط جوي يتمثّل بقصف مواقع «داعش» في العراق وتحضير بنك للأهداف الداعشية في سوريا. وخط ميداني يتمثّل بالسعي إلى ترتيب تحالف يقوم بمهاجمة «داعش» على الأرض كما تفعل البيشمركة، وأمام هذا سارع النظام السوري إلى محاولة تعويم نفسه، فأعلن وليد المعلم عن الاستعداد للتعاون مع أميركا وبريطانيا وحتى مع الشيطان لمحاربة «داعش» رغم أنها ولدت نتيجة المذابح التي ارتكبها!
المقاتلات الأميركية بدأت منذ أسبوع طلعاتها فوق الأجواء السورية، وقيل إنها قصفت أرتال «داعش» في دير الزور والرقة والحسكة، وهكذا أثار كلام المعلم السخرية بقوله إن دمشق ستعتبر أي هجوم غير منسق معها عدوانا، ورغم كل هذا حاول النظام يوم الثلاثاء الإيحاء بأن أميركا بدأت التنسيق معه من خلال تزويده بلوائح أهداف مراكز «داعش» على الأراضي السورية، وأن الغارات المكثّفة التي شنّها على محافظة دير الزور اعتمدت على خريطة الأهداف التي تسلمتها دمشق من الأميركيين عبر روسيا والعراق، لكن الإدارة الأميركية ردّت بسرعة، فأعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست أنه ليس هناك أي خطط للتنسيق أو التعاون مع النظام السوري في محاربة «داعش».
ردا على محاولة النظام السوري تعويم نفسه والإعلان عن استعداده للتعاون مع أميركا، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لصحيفة «الفيغارو» إنه «من غير الأخلاقي أن نعرض على الشعوب الخيار بين الديكتاتورية والإرهاب، أي المفاضلة بين نظام بشار الأسد ودولة أبو بكر البغدادي»، وأوضح أنه عندما دعونا إلى مؤتمر جنيف لم يكن في سوريا وجود لا لـ«حزب الله» ولا للإرهابيين، وقد دعمنا المعارضة المعتدلة كما أوضحت هيلاري كلينتون في مذكراتها، ولكن بعد ستة أشهر انتشر الإرهابيون، وعندما كنا في أغسطس (آب) 2013 جاهزين للتحرك بعدما استعمل النظام السلاح الكيماوي لم يحصل التدخل، لا يمكن إعادة التاريخ إلى الوراء، ويجب أن نتذكر أن بشار الأسد ساهم في انتشار الإرهابيين عندما أخرجهم من السجون.
إن لم يكن أوباما قرأ تصريح فابيوس فعليه على الأقل أن يقرأ تقرير لجنة التحقيق الدولية، التي كلّفها مجلس حقوق الإنسان منذ آب 2011 كشف الجرائم في سوريا، وفيه أن «داعش» ترتكب إعدامات تساوي جرائم حرب، لكن النظام ارتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ومنها مثلا استعماله السلاح الكيماوي ثماني مرات في عشرة أيام خلال أبريل (نيسان) الماضي.
ومن الضروري أن يعمل أوباما بنصيحة الجنرال المتقاعد ديفيد ديتبولا، الذي شارك في اجتياح أفغانستان عام 2001 والتي تقول: «يجب القيام بحملة قصف مكثّفة، فاستخدام القوة الجوية يجب أن يكون أشبه بعاصفة وليس برذاذ مطر، وعلى مدى أربع وعشرين ساعة طيلة أيام الأسبوع» عندها يسقط الإرهاب والديكتاتورية في حفرة واحدة!