د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

البدائل الصحية.. والتأني في قراءة النتائج

بحث الأوساط الطبية عن بدائل لتخفيف تعاطي المواد الضارة، أو التوقف عن ممارسة السلوكيات الحياتية غير الصحية، أو تقليل استخدام الوسائل العلاجية المعقد، هو طريقة منطقية لرفع المستوى الصحي للناس وخفض معدلات الإصابة بالأمراض وإعطاء فرص أفضل لنجاح معالجة المرضى.
ومن النقاط المهمة في شأن تقييم جدوى نتائج تطبيق البدائل تلك، هو أن يكون التقييم مبنيا على صورة متكاملة وشاملة لكافة جوانب المشكلة الصحية ووسائل التعامل معها. وهناك الكثير من الأمثلة التي نقتطف منها ما تم نشره والحديث عنه في الأوساط الطبية خلال الأيام الماضية فقط، وذلك في جانبين من المشكلات الصحية، وهما تحديدا مشكلة التدخين ومشكلة مضاعفات معالجة الآلام المزمنة لدى المرضى.
قبل بضع سنوات ظهرت السجائر الإلكترونية (e – cigarettes) وتم تسويقها كحل صحي بديل لمشكلة التدخين. والكل يعلم ما هي التأثيرات الصحية السلبية لتدخين التبغ، وكان إنتاج السجائر الإلكترونية يهدف إلى أن يكون وسيلة لتسهيل توقف المدخنين عن الاستمرار في ممارسة هذا السلوك الحياتي غير الصحي.
ومع مرور السنوات ظهرت نتائج لعدة دراسات طبية تحذر من التأثيرات الضارة لهذه الوسيلة المقترحة كبديل صحي. ومن تلك الدراسات ما نشرته مراكز مراقبة الأمراض واتقائها بالولايات المتحدة (CDC) حول ملاحظة ارتفاع نسبة إقبال الشباب غير المدخنين بالأصل نحو استخدام السجائر الإلكترونية. والعامل الأهم في الإغراء باستخدامها هو أنها بالأصل طرحت إعلاميا كوسيلة آمنة صحية، على الرغم من أنها تعمل على إدخال النيكوتين إلى الجسم عبر الاستنشاق إلى الرئة أسوة بما تفعله السجائر العادية.
ووفق ما نشرته المراكز في موقعها الإلكتروني في 25 أغسطس (آب) الحالي، عن مراجعة نتائج المسح الإحصائي القومي لتدخين الشباب (National Youth Tobacco) خلال الأعوام 2011 و2012 و2013، التي تم نشرها أخيرا في مجلة أبحاث التبغ والنيكوتين (Nicotine and Tobacco Research)، فإن ثمة ارتفاعا بنسبة 3 أضعاف خلال السنوات الثلاث الماضية في أعداد الشباب غير المدخنين بالأصل للسجائر العادية، الذين أقبلوا على البدء في تدخين السجائر الإلكترونية.
وعلق الدكتور تيم ماكافي، مدير مكتب التدخين والصحة بالمراكز المذكورة، على هذه النتائج بالقول: «نحن قلقون للغاية بشأن استخدام النيكوتين بين شبابنا، بغض النظر عما إذا كان يأتي من السجائر التقليدية أو السجائر الإلكترونية أو غيرها من منتجات التبغ. و3 من بين كل 4 مدخنين مراهقين سيصبحون مدخنين عند بلوغهم».
وفي نفس اليوم، أي 25 أغسطس (آب) الحالي، وضمن مجلة الدورة الدموية (Circulation) الصادرة عن رابطة القلب الأميركية (AHA) وتعليقا على نفس نتائج المسح الإحصائي، نشرت الرابطة «بيان السياسة» (policy statement) الخاص بموقفها الرسمي كرابطة طبية معنية بصحة القلب حيال تدخين السجائر الإلكترونية، وأفادت بقولها إنه يجب أن تخضع السجائر الإلكترونية لنفس القوانين التي تنطبق على منتجات التبغ، ويجب على الحكومة الاتحادية حظر تسويق وبيع السجائر الإلكترونية للشباب. ودعت أيضا لإجراء بحث دقيق ومستمر على استخدام السجائر الإلكترونية وتسويقها والآثار الصحية لها على المدى الطويل. وعلقت الدكتورة نانسي براون، الرئيس التنفيذي لجمعية القلب الأميركية (AHA) بالقول: «على مدى السنوات الـ50 الماضية، توفي 20 مليون الأميركيين بسبب التبغ. نحن ملتزمون بشدة منع صناعة التبغ من التسبب بإدمان جيل آخر من المدخنين، وتثير الدراسات الحديثة مخاوف من أن السجائر الإلكترونية يمكن أن تكون بوابة لمنتجات التبغ التقليدية لشباب الأمة، ويمكن أن تجعل التدخين في مجتمعنا أمرا طبيعيا»، وأضافت: «وقد ساعدت هذه التطورات المقلقة إقناع الجمعية أن السجائر الإلكترونية تحتاج إلى تنظيم (قواعد قانونية) بقوة، وبحث شامل وعن كثب ورصدها».
وقال مؤلف البيان، الدكتور أروني باتناغار، رئيس طب القلب والأوعية الدموية في جامعة لويزفيل: «لقد تسببت السجائر الإلكترونية بتحول كبير في مشهد مكافحة التبغ»، وأضاف: «من المهم جدا أن ندرس بصرامة الأثر الطويل الأجل لهذه التكنولوجيا الجديدة على الصحة العامة وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية، وإيلاء اهتمام دقيق لتأثير السجائر الإلكترونية على المراهقين».
والمثال الآخر هو بدء بعض الولايات الأميركية السماح بتوفير «الماريغوانا الطبية» (Medical Marijuana) بصفة قانونية مصدقة (legalized)، كوسيلة علاجية بديلة لأدوية تخفيف الآلام المزمنة التي يعاني منها ملايين المرضى لأسباب طبية شتى. وتطبق 24 ولاية حاليا قوانين تسمح بتعاطي المرضى المصابين بآلام مزمنة للماريغوانا الطبية وفق شروط محددة لا مجال للاستطراد في عرضها، بينما لا تزال بقية الولايات في الولايات الأخرى تحظر هذا الاستخدام لدواعٍ طبية. ومع تنامي إقبال المرضى على هذه الوسيلة القانونية، تتفاوت نتائج الدراسات الطبية بين داعم لها ومعارض. وضمن عدد 25 أغسطس من مجلة «جاما للطب الباطني» (JAMA Internal Medicine)، الصادرة عن الرابطة الأميركية للطب الباطني (AMA)، نشر الباحثون من المركز الطبي لشؤون المحاربين القدامى بولاية فيلادلفيا نتائج دراستهم عن علاقة استخدام الماريغوانا الطبية بخفض معدلات حصول حالات الوفيات نتيجة تناول جرعات عالية من الأدوية المسكنة للألم. ولاحظوا أن ثمة انخفاضا بنسبة 25 في المائة، وعزوه لبدء السماح باستخدام الماريغوانا الطبية.
ولكن توالت التعليقات الطبية حول التحذير من التسرع في هذه الطريقة للاستنتاج والربط بين الأمرين كسبب ونتيجة. وتحديدا علق الدكتور برادلي فلانسبام من مستشفى لينكس هيل بنيويورك بالقول: «لا أعلم ما يمكن الاستفادة من هذه الدراسة، وسأكون حذرا جدا جدا من القول إن قوانين السماح بالماريغوانا الطبية أدت إلى خفض خطورة حصول الوفيات الناتجة عن أدوية تسكين الألم، والبيانات الإحصائية المستخدمة غير نظيفة وغير دقيقة ولا نعلم منها ما الذي تسبب بماذا»، على حد قوله، وذلك في إشارة منه إلى أن الدراسة لم تتم بطريقة المقارنة العلمية، بل قامت بتجميع المعلومات حول نسبة الوفيات تلك خلال الأعوام ما قبل وما بعد البدء بالسماح باستخدام الماريغوانا الطبية، وهي طريقة غير دقيقة وغير منطقية لاستخلاص نتائج تعطي ربطا صحيحا بين سبب ونتيجة.
صحيح أن الإحصائيات الطبية الرسمية في الولايات المتحدة تذكر أن 113 شخصا يموتون في كل يوم نتيجة تناول جرعة مفرطة وزائدة من أدوية تسكين الآلام، وصحيح أنه أيضا يحضر يوميا نحو 7 آلاف شخص لأقسام الإسعاف لنفس السبب، وصحيح كذلك أن فيما بين عام 1999 وعام 2010 ارتفعت نسبة الوفيات بسببها بمقدار 118 في المائة، إلا أن توفير وسيلة بديلة وتقييم نتائج تطبيقها يجدر أن يكون بطريقة أكثر دقة لوضع حلول مفيدة على المدى القصير والبعيد.

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]