خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

ألم أقل لكم؟

لم أتمالك على هامش أخبار ما يجري في ليبيا غير أن أتذكر ما قاله سيف الإسلام القذافي في أول أيام الربيع العربي والثورة ضد والده، حين ألقى خطابه التاريخي الذي أدى إلى قطع أصابعه فيما بعد. حذر الليبيين والعالم أيضا بأن ليبيا بلد يتكون من مجموعات قبلية وإقليمية متناحرة. استطاع والده أن يشكّل حرسا من الفتيات اليافعات فيها تولين ضبط أمورها وتوحيدها وإخضاعها للسلطة المركزية. قال: «أزيحوا سلطة القذافي وسترون ما سيحدث من تمزيق وفوضى وتقاتل». لم يسمع أحد كلامه غيري أنا، وها نحن نواجه مصداق ما قال.
في يأسهم التام من إنقاذ بلدهم لم يجد الواعون منهم غير أن يطالبوا الأسرة الدولية بالتدخل وإنقاذ شعبهم مما يواجهه من مصائب. هكذا طالب البرلمان (؟!) الليبي من الأمم المتحدة رسميا. لم يستجب أحد لطلبهم. حتى كيم يونغ أون في كوريا الشمالية، لم يفكر في خوض هذا المستنقع. فلديه مستنقع أفضل مرتب يحيطه سياج محكم ويتم تعقيمه كل يوم بالبرمنغنات.
فما العمل؟ أعتقد أن أول خطوة على إخواننا الليبيين أن يخطوها هي إطلاق سراح سيف الإسلام والاعتذار له عن قطع أصابعه ليجمع حوله عددا من فتيات الحرس الجماهيري وأزلام القذافي السابقين ليتولوا شؤون بلدهم ويوحدوا هذا الشتات الممزق. وكما أرى، سيقتضي عليهم أولا الإعلان عن مناقصة عالمية لإدارة بلد غني بالنفط. لا أشك في أن الكثير من شركات البسكويت والشوكولاته والكوكاكولا ستتقدم بعطاءاتها للمشروع. فهذه الشركات لها خبرة كبيرة في التعامل مع سائر الشعوب والقوميات والطوائف. هل سمعتم يوما أن شركة الكوكاكولا أو السينالكو وقعت في مشكلة مع إحدى الدول المتخلفة أو المتطورة، أو عجزت عن التعامل مع أي عشيرة أو قبيلة؟ كلا! تجد قنانيها الظريفة وإعلاناتها الأخاذة في كل مكان. مفيش مشكلة. تسقط حكومة وتأتي حكومة ومخازنها ومعاملها وشاحناتها باقية في كل مكان. لا أحد يتعرض لها أو يمسها بسوء. بإمكاننا أن نتعلم منها على التعايش والاستمتاع بالحياة. سمعت حتى «داعش» لا تتعرض قط لمنتجاتها وأعمالها.
آه «داعش»! نعم نسيت أمرها. هذا خيار آخر لإخواننا الليبيين. لماذا لا يدعون «داعش» لتنظم لهم أحوالهم؟ فلن يجدوا في كل ربوع العالم منظمة أو عصابة خبيرة بنشر الفوضى والتعامل مع الموت والموتى مثلها. ولكنني أشك في أن قادة «داعش» سيرحبون بالدعوة. فلا يوجد في ليبيا مسيحيون أو إيزيديون أو أكراد أو سنة وشيعة ليظهروا فيها براعتهم في توحيد الأمة بإبادة مكوناتها الدينية والقومية.
الحقيقة كما تبدو لي، أن ليبيا تعاني من عدم وجود أقليات وطوائف فيها. فراح القوم يتطاحنون فيما بينهم. وهذه نقطة فاتت على الحرس الثوري في إيران. لم أسمع بعد عن تدفق وكلاء منهم يبشرون بمعتقداتهم ويبنون حسينيات هناك، فعندئذ يكون للخلافات والاختلافات أسباب ومبررات.