ليونيد بيرشيدسكي
TT

ميركل ومسؤولية تهدئة أوكرانيا

كما يحدث دائما، تجد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نفسها في دور قيادي على الساحة العالمية - وهذه المرة في محاولة حل الأزمة الأوكرانية. ومن بين كل قادة العالم، تزور ميركل العاصمة الأوكرانية كييف في عشية الاحتفالات الأوكرانية بعيد الاستقلال. ولا يتوقع وزير الخارجية الأوكراني أقل من «خطة ميركل» لمنافسة خطة مارشال الأميركية لإعادة إعمار أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية.
وكالمعتاد، مع ذلك، ربما تنعش ميركل التوقعات حيال أمر مدهش، في الوقت الذي تدير الجزء الذي ألقي على عاتقها بصورة افتراضية. ورغم أن عناد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يرتدي قناع لاعب البوكر المحترف قد أثار حفيظة ميركل، فإن اهتمامها ينصب على تهدئة الأمور حتى يمكن لألمانيا المضي قدما في أعمال إصلاح الاقتصاد الأوكراني.
قالت وزارة المالية الألمانية في استعراضها الشهري للتمويل في البلاد، إن الانخفاض غير المتوقع بنسبة 0.2 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من هذا العام جاء نتيجة «العلامات الزلقة للاقتصاد الأوكراني». وقد توسعت العقوبات الاقتصادية منذ ذلك الحين، حيث عزز سقوط طائرة شركة الخطوط الجوية الماليزية من عزم الزعماء الأوروبيين. وقد ردت روسيا على ذلك من خلال حظر استيراد بعض أنواع الأغذية، مما برر حالة الشكوك لدى الاقتصاديين.
ومنذ بداية الأزمة مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في شهر مارس (آذار) الماضي، جرت محادثات هاتفية بين ميركل وبوتين أكثر من أي زعيم آخر – حيث بلغت المكالمات 33 مكالمة، منها 21 مكالمة كانت بصورة مباشرة بين الزعيمين. ويأتي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في مرتبة ثاني أكثر الزعماء من حيث المحادثات الهاتفية مع الرئيس بوتين، ولكنهما تحدثا معا عبر الهاتف 15 مرة فقط، ست منها كانت بصورة مباشرة بين الزعيمين. وفي حين أن بوتين وميركل يتحدث كل منهما لغة الآخر بطلاقة، ويعتبر الرئيس بوتين مولعا بالثقافة الألمانية، يبدو أنه من الأرجح أن ميركل تلعب بكرة قد سقطت من يد الجميع.
إن التعامل مع بوتين أمر عسير؛ فهو يرفض التعاون، ويتلاعب، ويتعامل من حيث أنصاف الحقائق ووفق التسريبات. ويجب على الصداع أن يزور رأس السيدة ميركل في كل مرة تتحدث معه، ولكنها تحافظ على الحوار مفتوحا ومستمرا، في أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يتحدث مع الرئيس بوتين منذ الأول من شهر أغسطس. ولم تكن التبادلات الأخيرة بين ميركل وبوتين، في السادس من أغسطس، والسادس عشر من ذات الشهر، سارة؛ إذ واصلت المستشارة الألمانية إصرارها، في مقابل الرفض المستمر من بوتين، على توقف تسليح وإمداد المتمردين الانفصاليين في شرق أوكرانيا.
وإذا كان أي أحد في كييف يتوقع، مع كل ذلك، أن الحديث مع ميركل أسهل من الحديث إلى بوتين، فإنهم قد يكونون على خطأ. فهي لن تزور البلاد كعرابة. إنها ليست هناك إلا لممارسة الضغوط على الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو لوقف ضرباته في المنطقة الشرقية من بلاده.
خلال الشهر الماضي، نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، قصة لا أساس لها تلك التي انتشرت على نطاق واسع حول الصفقة السرية المحتملة بين بوتين وميركل لفرض حالة السلام على بوروشينكو مع الاعتراف الأوروبي بشبه جزيرة القرم كإقليم روسي – وهو أمر أقرب إلى ترتيب جاء نتيجة لوساطة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي للصراع الروسي - الجورجي في عام 2008.
وقال العالم السياسي أندريه ميسيليوك في مقال له نشرته صحيفة «البرافدا» الروسية إنه ينبغي على كييف مقاومة الضغط الألماني لعقد صفقة مع بوتين والمضي قدما في عملياتها العسكرية ضد المتمردين.
من شأن الدعم الأميركي، أن يكشف حالة الوهم: حيث تمتلك ميركل وأوروبا مصلحة كبيرة من وراء ذلك، وأوباما سيشعر بمزيد من الارتياح أن يجد حليفته في برلين على رأس الأمور. وتعتبر زيارة المستشارة الألمانية إلى كييف بداية تسويق لعلامة ميركل التجارية من الجهد والعمل المضني باتجاه اتفاق قد يشعر الجانبين بالاستياء منه، ولكنه سوف يمنحهما شرفا على مضض.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»