وسع مجلس الأمن أمس نظام العقوبات الدولية التي تستهدف ليبيا لتشمل مختلف الميليشيات المتقاتلة في هذا البلد.
والعقوبات التي كانت تشمل في السابق أنصار نظام معمر القذافي، تتمثل إجمالا في حظر السلاح وتجميد أموال ومنع من السفر، حسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وسيجري تحديد الأفراد أو المجموعات المعنية من قبل لجنة متخصصة تتبع مجلس الأمن.
وبموجب نص القرار الذي جرى تبنيه بإجماع أعضاء مجلس الأمن الـ15، فإن العقوبات ستستهدف أيضا الأشخاص أو الكيانات التي ترتكب أو تساعد على ارتكاب أفعال تهدد السلم أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا أو التي تعرقل أو تسيء للانتقال السياسي.
ويوضح نص القرار الدولي أن الأمر يعني بالخصوص المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان وعن الهجمات على البنى التحتية مثل المطارات والموانئ البحرية أو المقار الدبلوماسية الأجنبية في ليبيا.
كما يشمل القرار الأفراد أو الجهات التي تدعم المجموعات المسلحة أو الجريمة المنظمة من خلال الاستغلال غير المشروع للموارد النفطية للبلاد.
من جهة أخرى، نص القرار على «وجوب الحصول على موافقة اللجنة (المكلفة إدارة العقوبات) للقيام بعمليات تزويد أو بيع أو نقل أسلحة أو ذخائر إلى ليبيا». وكان الأمر لا يحتاج حتى صدور القرار سوى إبلاغ الحكومة الليبية بمشترياتها من السلاح.
وأوضح دبلوماسي غربي نحن نحاول تعزيز الحظر على الأسلحة وتوسيع نظام العقوبات بهدف التمكن من معاقبة قادة الميليشيات التي تتقاتل في ليبيا.
ورحبت وزارة الخارجية المصرية بمبادرة مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته إزاء الأزمة الليبية باعتماده قراره في هذا الشأن، وهو القرار الذي يتكامل في الكثير من عناصره مع المبادرة التي أطلقتها مصر واعتمدتها دول الجوار الليبي في اجتماعها الوزاري الرابع الذي عقد في القاهرة يوم 25 الحالي والتي تهدف إلى وقف إطلاق النار في ليبيا ودعم مؤسسات الدولة الليبية ومحاصرة التطرف والإرهاب والعمل على تسليم السلاح الخارج عن نطاق السلطة الشرعية للدولة سعيا لإعادة الأمن والاستقرار إلى هذا البلد الشقيق.
وتسعى مصر ودول جوار ليبيا للتوصل إلى حلول سياسية للأزمة الليبية عبر الدفع نحو حوار بشأن مستقبل ليبيا بين القوى السياسية الليبية التي تنبذ العنف والإرهاب، وقد خاطبت وزارة الخارجية في أعقاب الاجتماع الوزاري لدول الجوار الجامعة العربية والأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي لطرح مبادرة دول الجوار بشكل رسمي في هذه المحافل، كما ستطرح مصر مبادرتها خلال مشاركتها في اجتماع وزاري حول الوضع في ليبيا تستضيفه العاصمة الإسبانية مدريد يوم 17 سبتمبر (أيلول) القادم، وذلك بهدف العمل على جعل هذه المبادرة أساسا للتحرك الدولي إزاء هذا الملف.
من جهة أخرى، أعلنت وكالة الأنباء الرسمية أمس أن 6 وزراء (الصناعة، والعمل، والتخطيط، والتعليم، والموارد المائية، ووزير الدولة لشؤون الجرحى) قد استقالوا بالفعل، بينما نقلت قناة محلية محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين عن وزير الصناعة سليمان اللطيف قوله إن «الاستقالات من الحكومة جاءت على خلفية انحيازها لأحد أطراف النزاع، وفشلها في معالجة عدد من الملفات». وأضاف أن «الوزراء الستة حاولوا البقاء ضمن حكومة متماسكة، إلا أن رئاسة الحكومة تتخذ إجراءات من دون علمهم».
لكن لم يصدر على الفور أي تأكيد رسمي من مكتب الثني، كما كان هاتف أحمد الأمين الناطق الرسمي باسم الحكومة الانتقالية مغلقا لدى محاولة «الشرق الأوسط» الاتصال به للحصول على تعليقه.
في سياق ذلك، كشفت مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط» النقاب عن أن بعض وزراء الحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني تلقوا تهديدات بالقتل والتصفية الجسدية إذا رفضوا الاستقالة طواعية من الحكومة، مشيرة إلى أن اثنين على الأقل من الوزراء طلبوا رسميا من الثني قبول استقالتيهما، دون أن تحددهما المصادر.
في غضون ذلك، اتهم المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق المنتهية ولايته)، مصر والإمارات بالمشاركة في الغارات الجوية التي تعرضت لها مواقع عسكرية تابعة لقوات ما يسمى بـ«فجر ليبيا» التي تشنها قوات مصراتة وحلفائها المتشددين في العاصمة الليبية طرابلس، بينما نفى اللواء صقر الجروشي قائد سلاح الطيران بالجيش الوطني الليبي لـ«الشرق الأوسط» صحة هذه الاتهامات.
وتراجعت وزارة الخارجية الأميركية عن تصريح سابق بأن مصر والإمارات وراء الغارات، وأصدرت في وقت متأخر أول من أمس بيانا قالت فيه إن «التعليق بشأن ليبيا كان يقصد به الإشارة إلى دول أفادت تقارير أنها شاركت».
لكن اللواء صقر الجروشي، وهو ضابط كبير في الجيش الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ومسؤول عن سلاح الطيران التابع له، قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن «الطائرات المغيرة كانت ليبية وأقلعت من مطارات محلية على الأراضي الليبية»، مشيرا إلى نجاح سلاح الطيران في إعادة إدخال مقاتلات بعيدة المدى من طراز «سوخوي 24» إلى الخدمة مجددا.
وأضاف الجروشي «غير صحيح أننا استعنا بخدمات أي دولة عربية، مطلقا لم يحدث أن شاركت طائرات لا مصرية ولا إماراتية، وما يقال مفبرك ولا أساس له من الصحة».
وكان الجروشي يرد لـ«الشرق الأوسط» على إعلان البرلمان السابق قيام طائرات حربية أجنبية بقصف مباشر على القوات التابعة لرئاسة الأركان العامة بالجيش الليبي وهي تنفذ عملية فجر ليبيا، التي كانت تقوم بتطهير العاصمة ممن وصفهم بـ«العصابات الإرهابية المجرمة المتمثلة في كتائب الصواعق والقعقاع والمدني وكتيبة أمن المطار الخارجة عن الشرعية»، مما ترتب عنه مقتل 30 وجرح العشرات، بالإضافة إلى تدمير آليات ومعدات عسكرية ومقار ومبان إدارية، على حد زعم المؤتمر الذي تخلى عن السلطة عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لكنه عاد مجددا للاجتماع بعد سيطرة الإسلاميين على مقاليد الأمور في العاصمة طرابلس.
وقال المؤتمر في بيان أصدره أمس إنه «بعد البحث والتحري عن هوية الطائرات وقائديها والداعمين والممولين لهذه العملية، تبين بأن دولتي الإمارات العربية المتحدة ومصر متورطتان في هذه العملية التي تمثل انتهاكا صارخا وفجا للسيادة الوطنية». وهدد المؤتمر بأنه «في حالة ثبوت تورط الدولتين، سيقوم بكل ما في وسعه للرد على ذلك دبلوماسيا وقضائيا واقتصاديا وسياسيا، داعيا دول اتحاد المغرب العربي لتفعيل اتفاقية الاتحاد بشأن دعم الدولة الليبية ورد أي عدوان أجنبي عليها ومساندتها في مباشرة حقها المشروع لدى كل الهيئات والمؤسسات الدولية والإقليمية، عملا بنص المادة 14 التي تنص على أن كل اعتداء تتعرض له دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد يعد اعتداء على الدول الأعضاء الأخرى».
من جهة أخرى، نفى مصرف ليبيا المركزي شائعات عن اقتحامه وسرقة محتوياته، مؤكدا في المقابل أنه مؤسسة مالية مستقلة تؤدي عملها بكل مهنية وفق القوانين وبما يخدم المصلحة العامة، وأنه خط الدفاع الأخير لمؤسسات الدولة.
واعتبر المصرف أن مسؤولية المحافظة عليه تقع على عاتق الجميع من دون استثناء كونه عصب الاقتصاد الليبي.
وكانت الصفحة الرسمية لغرفة عمليات ثوار ليبيا على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» زعمت أمس أن المؤتمر الوطني طلب من المصرف المركزي وقف التعامل بتوقيعات الثني وكل وزرائه، واعتماد توقيعات حكومة عمر الحاسي التي ستبدأ رسميا أعمالها كحكومة إنقاذ وطني اعتبارا من يوم الأحد المقبل.
وأشارت إلى أنه جرى استدعاء محافظ المصرف على أن يباشر أعماله يوم الخميس في ليبيا بعد سفره أكثر من شهرين خارج البلاد بسبب رفضه صرف أموال الميزانية للثني وبقية وزرائه.
واعترفت قيادة عملية فجر ليبيا في بيان لها أمس بحدوث انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وأعربت عن استنكارها الشديد للحوادث المتفرقة للفلتان الأمني في العاصمة، متعهدة بتسهيل مهمة مديرية الأمن والشرطة ودعمهم للضرب على يد كل مارق ومعتد على أرزاق أو كرامة أو أمن المواطنين. وأكدت أنها «لم ولن تستهدف أي مواطن على مجرد الهوية، وهي ماضية في سبيل تأمين أهدافها التي اضطلعت بها، حتى تسليم كل المقار والمؤسسات والمباني والمزارع والمنازل المنهوبة لعهدة الدولة والشرعية».
وطبقا لما بثته وكالة الأنباء المحلية فقد بدأت الحياة تعود تدريجيا إلى العاصمة طرابلس عقب توقف الاشتباكات التي شهدتها المدينة أخيرا. وقالت الوكالة إن شوارع المدينة تشهد حركة حيوية، حيث فتحت بعض المرافق الخدمية مثل المصارف أبوابها أمام الزبائن، كما فتحت المحال التجارية والمخابز أبوابها، فيما ما زالت محطات الوقود تشهد ازدحاما، مشيرة إلى أن بعض العائلات النازحة من مناطق محاور القتال بدأت بالعودة إلى منازلها.
وكانت وزارة الداخلية دعت عناصرها الأمنية إلى استئناف عملهم، لكن لم تتضح بعد الكيفية التي سيجري بها انتشار هؤلاء في مختلف أرجاء طرابلس التي باتت منذ يوم السبت الماضي خاضعة لسيطرة ميلشيات مصراتة وحلفائها المتشددين، بعد الهزيمة المفاجئة لقوات الزنتان وجيش القبائل المتحالف معها، على خلفية أكثر من 40 يوما من القتال العنيف في محيط مطار طرابلس الدولي.