محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

عقلية الإسفنجة!

من أكبر التحديات التي تواجهنا في حواراتنا هي «عقلية الإسفنجة». هذه العقلية أو طريقة التفكير لا يبذل صاحبها مجهودا ذهنيا يذكر حينما يدور حوله حوار ما أو تصله معلومة أو خبر فيقبله كما هو. تماما كما تفعل الإسفنجة التي تمتص السائل الذي تغمس فيه وبسرعة خاطفة. ومتى ما عصرتها أخرجت ما بها من سوائل (أي أفكار ومعلومات).
ويبدو أن «العقلية الإسفنجية» تجنب نفسها عناء البحث والتمحيص بحقيقة ما يتناهى إلى أسماعها من أحاديث شفهية فتسارع بنقل الشائعة أو الخبر أو المعلومة كما هي وفي بعض الأحيان تجادل به وكأن ما سمعته حقيقة مجردة!
ولإيجاد حل لهذه المشكلة المستعصية في تفكير البشر، لا سيما من متخذي القرارات والباحثين، تم طرح مفهوم «التفكير النقدي» أو «التفكير الناقد» وهو مصطلح ذائع الصيت في العالم الغربي اسمه Critical Thinking أي أنه محاولة دائمة للتحقق من الافتراضات أو المعلومات التي تصلنا للتأكد من مدى حقيقتها أو دقة بعض جوانبها وذلك للوصول إلى حكم معين أو قرار ما.
وهذه الطريقة النقدية إيجابية بعكس الإسفنجية السلبية التي يلقي فيها صاحبها الكلام الذي سمعه على عواهنه من دون تفكير أو تمحيص. وخطورة هذا الأسلوب الإسفنجي المتسرع تكمن في أنه يجعلنا عرضة لارتكاب أخطاء فادحة في مجتمعنا وأعمالنا وسائر شؤون حياتنا الخاصة. ولذا كان من خصائص التفكير النقدي، التفريق بين الحديث العاطفي والمنطقي (أو العقلاني)، والتمحيص في المصادر قبل نقل المعلومة، فضلا عن عدم إدلائنا بدلونا في حديث إلا من خلال تساؤل وجيه أو إضافة قيمة تدفع بالعقلانيين من المتحدثين إلى الجادة الأصوب أو الأكثر دقة. كما أن المفكر الناقد يفرق بين الرأي والحقيقة. فحينما يقال له إن الشمس تشرق من المشرق، أو الصين في قارة آسيا لا يجادل. غير أنه حينما يسمع أو يقرأ رأيا يقول إن اليابان أجمل من ماليزيا أو إن المتنبي أفضل من أبو العتاهية يدرك أنه أمام رأي يقبل الصواب والخطأ.
لتخيل كيفية ممارستنا للتفكير المنطقي، يمكن أن يكتب القارئ علامة «صح» أمام أحد سطور مقال أو كتاب يقرأه إن كان يعلم هذه المعلومة مسبقا، أو علامة «+» إن كانت المعلومة جديدة بالنسبة إليه، أو علامة «X» إن لم يتفق مع ما قيل، و«!» إذا كانت النقطة تثير استغرابه، وعلامة «؟» حينما تثير المعلومة تساؤله. بهذه الطريقة العملية نستطيع أن نفرق بين التفكير النقدي والأسلوب الإسفنجي البدائي. وتجدر الإشارة إلى أنه قد يمل الناس منا عند اتباع الأسلوب النقدي لكنهم سرعان ما سيحترموننا لاحقا وسيضعوننا في الاعتبار قبل أن ينبسوا أمامنا ببنت شفة. لأن عقولنا الواعية ستقف لهم بالمرصاد. ومع مرور الوقت ربما ستشرئب أعناق الحاضرين نحو المفكر الناقد لأن لديه في كثير من الأحيان النظرة العقلانية للأمور، ليست بالضرورة المعلومة ولكن ربما التساؤلات المنطقية الوجيهة التي تفتق أذهان الحاضرين للنظر للموضوع من زاوية من مختلفة.
[email protected]