هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

احتواء «داعش» لا يكون إلا بالحصار والقصف الجوي!

الدعوات للقضاء على «داعش» تأتي من كل الاتجاهات. تسريبات عن اتصالات على أعلى المستويات تجري للتنسيق عسكريا. حماسة فرنسية لدعوة إلى عقد مؤتمر دولي حول الإرهاب. البحث في إرسال قوات برية، أو تدريب قوات محلية.. لكن من سيضع الجرس حول عنق القط؟
تقول القصة إن جمعا من الفئران جلس وتشاور ليعالج مشكلته مع القط، وجاء بفكرة «جهنمية» وهي وضع جرس حول عنقه، بحيث كلما سار القط يرن الجرس فتهرب الفئران. فرح الجميع بهذه الاستراتيجية المثلى، لكن بقي السؤال: من الذي سيضع الجرس حول عنق القط؟
قال الرئيس الأميركي باراك أوباما الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة ستواصل القيام بما يتوجب عليها لحماية شعبها، لكنه لم يعلن عن أي خطط لتوسيع العمليات العسكرية ضد «داعش». وقال بن رودز مسؤول الأمن القومي الأميركي: إذا هاجمتم أميركيا سنهاجمكم أينما تكونوا.
ضباط عسكريون أميركيون اقترحوا توسيع العمليات، في حين أن الغارات الجوية ضد «داعش» حتى الآن كان هدفها منع ارتكاب مجازر ضد الأقليات، وحماية المصالح الأميركية. واقترح الجنرال المتقاعد بيتر منصور أن العملية ضد «داعش» تتطلب نشر ما بين 10 و15 ألف جندي أميركي. هذا الاقتراح لا يتماشى مع خيارات أوباما.
المشكلة حسب محدثي (خبير استراتيجي غربي)، أن «داعش» وجد بيئة حاضنة إنْ كان في جزء من العراق حيث غزا، أو في الرقة السورية حيث سيطر بالكامل. ويضيف: من أجل أن يتوقف دعم بعض السنة لـ«داعش» أو لأي حركة متطرفة أخرى، على أميركا أن تثبت أنها ليست ضد السنّة. المأساة التي لحقت بالعراق كانت بسبب نوري المالكي الذي دعمته واشنطن وطهران حتى النهاية.. نهاية العراق! هذا الدعم غير المشروط يجب أن يتوقف مع حيدر عبادي رئيس الوزراء الجديد، عندها لن يشعر هؤلاء السنة الذين يدعمون «داعش» بضرورة الاستمرار في احتضانه، «لأن أميركا إلى جانبنا».
يقول محدثي: يجب على أميركا أن تتخذ موقفا يدفع ببعض السنة إلى القول إنهم ليسوا بحاجة إلى «داعش» ولا إلى حمايته، هذا على المستوى العالي، أما على المستوى الاستراتيجي فالوضع معقد ومزرٍ. الأكراد يحتاجون إلى وقت طويل كي يصبح البيشمركة قوة عسكرية ذات فعالية.
ويضيف محدثي: الحل الوحيد الآن يكون باحتواء «داعش» ولا بد من أن يكون هناك دور للجيش المصري كما لفرق عسكرية من باكستان.
يجب منع «داعش» من تصدير النفط ويستطيع الأسطول الأميركي في الخليج القيام بهذا العمل. يبيع «داعش» النفط لتجار شرعيين، وهؤلاء يشحنون النفط بالناقلات فيصبح غير شرعي. لذلك على كل تاجر نفط غير قادر على إثبات من أين جاء بنفطه أن يتحمل مصادرة ناقلاته أو إغراقها. أما تجارة النفط البرية فتتوقف بقطع أنابيب النفط. يجب أن يتخذ قرار بعدم السماح لـ«داعش» بالاستفادة من أي قطرة نفط.
مع «داعش» يسرع العراق وسوريا في السير على طريق الدمار الشامل كما الحال مع ليبيا. قبل «داعش» كان الحديث عن تغيير حدود سايكس - بيكو. يجب الاعتراف الآن بأن الاتجاه هو إلى إزالة الدول، وبروز التجمعات المسلحة تحت أسماء مختلفة: دولة العراق زالت أو تكاد، ودولة سوريا زالت أو تكاد، ودولة ليبيا منقسمة إلى ثلاث مناطق مدمرة. قبل مئات السنين حصل هذا في أوروبا واستمرت الحروب سنوات طويلة، وهذا ما سوف يتكرر في المنطقة إذا ما استمر الوضع على حاله.
لكن، أي حل على المدى القصير؟ يجيب محدثي الخبير الاستراتيجي: حصار واحتواء وقصف متواصل بالطيران، كل دولة لديها سلاح جوي عليها أن تشارك.
أسأله: هناك دعوات أوروبية بالتحديد، للطلب من إيران المشاركة! يجيب: وما المانع، إنها مشكلتهم أيضا، ساهموا بجزء كبير منها عن طريق نوري المالكي وقاسم سليماني. لكن إذا كانت إيران تريد المشاركة للتخلص من المقاطعة الدولية، فهذا غير مقبول أبدا. «داعش» مشكلة على أبوابها، هي من يجب أن يطلب المشاركة ويسمح لها إذا أوقفت برنامجها النووي وليس العكس. «داعش» متجه نحوها، وأميركا تأتي على آخر قائمة خططه. يجب على الغرب ألا يشعر أنه بحاجة إلى إيران.
ويضيف محدثي: إيران لن تشارك، والسبب أنها لا تستطيع أن تخوض حربا مكشوفة ضد السنّة. إذا شاركت تعرف أن الأسوأ مما يحصل الآن، سيرتد عليها. إيران تقول للغرب إن من مصلحته أن تشارك في الحرب ضد «داعش» مقابل رفع الحصار عنها، وهذا لا يقبله أي منطق. الكل يعترف بوجود صراع سني - شيعي، لكن إيران ترد وتقول: أبدا.. إننا إخوة.. راقبي العمليات الانتحارية المتبادلة في العراق. لذلك على الغرب أن يُفهم إيران أن وقوفها ضد الإرهاب، من أي نوع كان، هو من مصلحتها وليس من مصلحة الغرب فقط.
يؤكد الخبير الاستراتيجي في حديثه أن الغرب لن يرسل قوات برية. أسأله: هناك من يقول إن «الصحوات» السنية في العراق عندما قاتلت «القاعدة» كان في العراق 150 ألف جندي أميركي! يعود ليؤكد أن الغرب لن يرسل إطلاقا قوات برية. سيكون هناك خبراء، ومدربون إنما ليس قوات للقتال، لذلك لا بد من الاحتواء والحصار. لكن من سيحتوي «داعش»؟ يقول: على حدود العراق والخليج يجب نشر قوات مصرية وباكستانية، ولأن الوضع في سوريا أكثر تعقيدا، والعلاقات بين الأردن وباكستان جيدة، يمكن نشر قوات أردنية تساعدها قوات باكستانية على الحدود الأردنية المتاخمة لسوريا والعراق.
ويقول: لا أحد يمكنه الآن اقتلاع «داعش»، فالأهم نشر قوات نظامية لمحاصرته، على أن تستمر الغارات الجوية بكثافة. الغارات الجوية السورية صارت صعبة، بعدما احتل «داعش» مطار «طبقة» في الرقة وفيه صواريخ «إس. إي - 6» الروسية، لكن الروس وحدهم قادرون على إبطال عمل هذه الصواريخ التي لن يستفيد منها «داعش».
أسأله: هناك أيضا حديث عن التعاون مع نظام بشار الأسد، ووزير خارجيته وليد المعلم فتح باب الشروط واسعا لذلك التعاون، يجيب: هذا ليس بالأمر المنطقي. لا أحد مستعد للتنسيق مع الأسد أو تعويمه. أحرق كل أوراقه، على العالم أن يدعم الأردن والخليج وسنّة العراق، فهم القادرون على شن هجمات ضد «داعش». إن «داعش» هو نتيجة لتجاهل السنة وإهمالهم في العراق، لكن كل هذا يحتاج إلى أشهر وأشهر من المواجهة الجادة. إن البداية تكون باتخاذ قرار حصار «داعش»، بانتظار أن يصبح البيشمركة جيشا كرديا قويا. والاعتماد على الجيشين القادرين على المساعدة: الجيش المصري والجيش الباكستاني، وتكثيف الغارات الجوية على «داعش» أينما وجدت تجمعاته. وهذه الجيوش لن تكون مهمتها المحاربة بل الحماية. الهجوم أمر مختلف طبعا، لا الأرض أرضهم، وهم لا يعرفون تضاريسها. يمكنهم الدفاع. لن يغامروا بحياتهم للهجوم على الآخرين، بل ستكون مهمتهم الدفاع عن أنفسهم وعن الآخرين.
في هذه الأثناء، لو أن «حماس» تصغي إلى صوت العقل، وتتوقف عن الانصياع لإيران بتحويل القضية الفلسطينية إلى حصان طروادة إيراني. فبعدما فقدت حصانها السنّي في العراق، وكبا حصانها في سوريا، ترغب إيران في الحصان السنّي الفلسطيني فيما الوضع العربي كله ليس إلى جانب «حماس»!