علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

هل هناك «إرهاب لايت»؟

لو طبقنا تصنيفات المشروبات الغازية التي تقدم أنواعا «لايت»، نسبة السكر فيها أقل، على أنواع الإرهاب ومنظماته بأفكارها المتطرفة، فهل يمكن أن تكون هناك تصنيفات أيضا للإرهاب؛ واحد كامل الدسم وآخر «لايت» مخفف؟ وهل يستدعي ذلك طريقة تعامل مختلفة.. أم أن الجميع في نفس القارب؟
السؤال مطروح مع التعدد الذي نراه الآن، والأشكال المختلفة لتنظيمات التطرف التي استغلت لحظة اضطراب في المنطقة لتستوطن فيها وتتمدد لتصبح مشكلة عالمية، وتجعل الشرق الأوسط مثل الأماكن الموبوءة ينظر إليها العالم باندهاش وشفقة واستسلام في بعض الأحيان بأن قدرها هو تقطيع الرؤوس والتفجير والتفخيخ والحروب الطائفية.
ومع موجة العنف والإرهاب، أصبحت هناك مقارنات يجري في بعض الأحيان الترويج لها بين مشارب مختلفة للتطرف وما يتبعها من أعمال عنف أو إرهاب، وتعد سوريا مثالا على ذلك بين «داعش» و«جبهة النصرة» رغم أن الأصل الفكري واحد وهو «القاعدة»، أو تنظيمات أنصار الشريعة التي تعلن عن نفسها في بلدان عربية أخرى، وتخوض معارك مختلفة لكنها تمارس نفس الأساليب أو تقتبسها في تحقيق أهدافها.
هذه المقارنات ليست جديدة فلها سوابقها التاريخية؛ مثلما حدث بين الجماعة الإسلامية والجهاد في مصر في موجة العنف التي ضربت البلاد في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وانكسرت بعد تصدي الدولة لها، وكانت هناك تنظيمات كثيرة على هامش الجماعتين بنفس الأفكار التي تدعو إلى استخدام العنف لتغيير المجتمع، وحدث ذلك أيضا في أفغانستان عند المقارنة بين حركة طالبان و«القاعدة» عندما كان هناك تحالف بينهما، حتى هزمت «القاعدة» هناك وتشتتت قياداتها أو قتلت.
ولم يكن للإرهاب أرض يستطيع أن يقول إنه يسيطر عليها أو يحكمها؛ فحتى خلال تمتع «القاعدة» بحرية الحركة في أفغانستان، وكانت لها معسكراتها، كان ذلك تحت غطاء وحماية حركة طالبان التي تملك الأرض وتسيطر عليها، وفي مناطق الصحراء المجاورة للدول المغاربية التي تحركت فيها «القاعدة»، كانت المسألة أشبه بقطّاع طرق يختبئون في جبال أو صحراء ليشنوا منها عملياتهم دون القدرة على السيطرة على الأرض.
الآن اختلف الوضع؛ فلأول مرة أصبح هناك تنظيم إرهابي يسمي نفسه «داعش» أو دولة الخلافة، وأصبح بطريقة غامضة تثير تساؤلات له وجود على الأرض من العراق إلى سوريا ويتحكم في مدينة كبيرة مثل الموصل ويستولي على سلاح جيوش ومطارات، ومثله توجد تنظيمات متطرفة شيعية تمارس نفس أعمال التفجير والقتل والعنف.
وفي ليبيا هناك وضع مشابه تسيطر فيه تنظيمات أو ميليشيات متطرفة بأسماء متعددة على مناطق بأكملها ومطارات منها مطار العاصمة طرابلس. والغريب أن هذه الميليشيات التي تهدد مقومات الدولة تتلقى ميليشياتها مرتباتها من خزانة الدولة نفسها.
التحالفات والطريقة التي تنمو بها هذه التنظيمات تثبت أن الإرهاب واحد ولا يوجد فيه «لايت» حتى لو اختلفت الأسماء أو الأساليب، فالصراع على ليبيا تخوضه ميليشيات تحالفاتها من مشارب مختلفة من الجماعة المقاتلة التي كانت حليفة لـ«القاعدة» إلى الإخوان الذين يأملون أن تسقط الثمرة في النهاية في يدهم، ومشروعهم أكبر من ليبيا ويمتد إلى الدول المجاورة. أما في العراق وسوريا فقد بدأت المسألة بمقاتلين آيديولوجيتهم الفكرية متطرفة جرى تسهيل عبورهم ليختطفوا الانتفاضة السورية لتصبح مشكلة إرهاب يبحث لها العالم عن حل.
هو جيل جديد من الإرهابيين أشد شراسة وعنفا من جيل الظواهري الذي شارف على التقاعد، لكنه شرب من نفس الفكر، وما كان ليظهر لو كانت هناك مواجهة حاسمة لا مساومة فيها مع كافة أشكال الفكر المتطرف سواء كان سنيا أم شيعيا، وبناء ثقافة المؤسسات والدول وليس الميليشيات بصرف النظر عن المبررات.
النتيجة، هي أن المنطقة أصبحت محاصرة بحزام إرهاب تمدد بشكل خطر، وأصبح يسيطر على أراض وموارد وسلاح، ويهدد دولا أخرى بإدخالها في متاهة الأزمة مثلما حدث في لبنان أخيرا عندما اختطف عسكريون هناك بما يؤجج التوتر الداخلي، فضلا عن المشاهد اليومية المروعة للعنف التي يتباهون بها على وسائل التواصل الاجتماعي، لجذب بعض العقول المريضة، وليس هناك حل إلا بجهد جدي منسق ضد الإرهاب بكافة أشكاله ومشاربه الفكرية، وإلا فإن شعوب المنطقة هي الخاسر الأكبر.