جعجع لـ{الشرق الأوسط}: لست خائفا على الوجود المسيحي في الشرق

قال إن انسحابه من السباق الرئاسي اللبناني.. انتحار سياسي

جعجع لـ{الشرق الأوسط}: لست خائفا على الوجود المسيحي في الشرق
TT

جعجع لـ{الشرق الأوسط}: لست خائفا على الوجود المسيحي في الشرق

جعجع لـ{الشرق الأوسط}: لست خائفا على الوجود المسيحي في الشرق

حض رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع مسيحيي الشرق على التشبث بأرضهم على الرغم مما يجري حولهم «لأنهم ليسوا أجانب على الأرض، بل من صلبها»، معتبرا أن المسيحيين يواجهون ما يواجهه بقية أبناء البلاد التي يعيشون فيها، وهم ليسوا مستهدفين بالتحديد، لكنهم أقلية تتأثر أكثر من غيرها.
ورفض جعجع في حوار مع «الشرق الأوسط» نظرية «تحالف الأقليات» في المنطقة، معتبرا أن للمسيحيين خصوصية تمنعهم من التحالف مع أنظمة مماثلة للنظام السوري، الذي كان أكثر من آذى المسيحيين في لبنان وسوريا وتسبب في هجرة الكثير منهم.
وأكد جعجع أنه لم يقلل لحظة من «وحشية وإجرام تنظيم (داعش)، بل على العكس»، لكنه أكد أنه ليس «خائفا منهم بدليل أنه عندما وجدوا مَن يقاتلهم تراجعوا»، معتبرا أنهم «بطبيعتهم يحملون بطياتهم بذور فنائهم»، مشددا على ضرورة «مواجهتهم بشكل كامل ودون هوادة، لأن جماعات مثل (داعش) لا يمكن أن تتعامل معهم بغير المواجهة الكاملة وحتى النهاية». وقال: «يجب القضاء عليهم لأنهم بذور فساد في البشرية ككل، وهم أكثر من ألحق ضررا بالإسلام»، مشيدا بموقف المملكة العربية السعودية «التي أخذت موقفا حازما وواضحا بهذا الخصوص، لأن وجود هذا التنظيم هو أكبر تحدٍ للإنسانية بحد ذاتها».
وفي ما يلي نص الحوار:

* هل أنت خائف على وضع المسيحيين في الشرق والمنطقة؟
- ما يحصل للمسيحيين في الشرق كبير ومؤلم وخطير، لكن يجب أن نضعه في إطاره الصحيح الطبيعي، لأن البعض يحاول أن يتاجر بهذه القضية بالذات. نعم هو خطير ومؤلم وكبير، لكنه أتى في إطار صراع هائل في الشرق الأوسط يطال كل شرائح مجتمعاته سواء الإسلامية أم غيرها. طالت كل الطوائف والمذاهب، ومن جملتها تطال المسيحيين، وهذا التصويب مهم، لكي لا يصورها أحد على أنها حرب على المسيحيين بالتحديد. هذا إطار الأحداث في الشرق الأوسط.
ما يحدث للمسيحيين مؤلم جداً، علينا أن لا نبكي على الأطلال، بل أن نستنفر جميعنا ونقف إلى جانبهم. مثلاً مسيحيو سهل نينوى كلهم تهجروا وأصبحوا في كردستان، وقد أتت خطوة البطاركة الشرقيين بزيارتهم العراق في المكان الصحيح وكانت جيدة، وأهم شيء أن تعتبر كل الحكومات العربية نفسها معنية، والحكومات الغربية أيضا يجب أن تعتبر نفسها معنية معنوياً ومادياً لكي نساندهم ونرجعهم إلى أرضهم.
الهجوم المضاد الذي تقوم به القوات الكردية بالتنسيق مع القوات العراقية والقوات الجوية الأميركية هو عمل جيد ومهم، ونتمنى أن تنتهي في وقت قريب ويسترجع سهل نينوى وأن يرجعوا جميعهم من إقليم كردستان إلى قراهم في سهل نينوى. وهذا يتطلب مساعدة كل الدول العربية في أسرع وقت ممكن لإعادة بناء ما تهدم، ومساعدتهم في أن يستقروا في أرضهم وعدم التفكير في الهجرة إلى خارج الشرق الأوسط.
* المسيحيون كانوا الحلقة الأضعف في المواجهات التي تحدث في المنطقة، فهم تأثروا في العراق على موجتين.
- الحقيقة أنها ثلاث موجات، لأن هناك موجة لم يتكلم عنها أحد، وهي حدثت في التسعينات عندما بدأت العقوبات الغربية بعد الهجوم الغربي على صدام حسين وبدء المواجهة بين صدام حسين والغرب. حينها حصلت موجة، نادراً ما يحكى عنها والتي جعلت عدد المسيحيين (في العراق) يصبح مليوناً بعد أن كان مليوناً ونصف المليون. الموجة الأولى عندما قام صدام حسين بردة فعله على الغرب وغيّر علم العراق ووضع عليه عبارة «الله أكبر»، وتحول صدام إلى نوع إسلامي إلى حد ما. على سبيل المثال لا الحصر، منع بيع الكحول في كل العراق وأكثرية المسيحيين كانوا يعتاشون من تجارة الكحول في العراق، ومن جهة ثانية وبقرار واضح، لم يفتح لهم المجال لأن يكونوا في أي وظيفة لها أي أثر من وظائف الدولة. في تلك المرحلة هاجر نحو 300 إلى 400 ألف مسيحي عراقي بسبب هذا التضييق عليهم وقلة خياراتهم في فرص العمل.
ثاني مرحلة، من بعد سنة 2003 والفوضى التي لحقت بها، حيث هُجر نحو 200 إلى 300 ألف أيضاً، لكن أول موجة كانت أكبر. أما ثالث مرحلة هي المرحلة التي نراها اليوم والتي آمل أن يحد منها نجاح الهجوم المضاد وأن تكمل الدول العربية، وكل الفرقاء اهتمامهم بالمسيحيين الذين تهجروا من سهل نينوى كما يجب.
* هل المشكلة يمكن أن نلخصها بأنها في العراق فقط، أم أنها مسار موجه ضد المسيحيين؟
- من 100 سنة إلى اليوم الظروف لم تكن مواتية، أن يبقى المسيحي في أرضه. وأنا هنا أتكلم عن المسيحيين باستثناء مسيحيي لبنان، لأنهم بحث آخر مختلف تماماً. فمثلاً في سوريا يتحدثون الآن عما يحصل للمسيحيين، لكن في الحقيقة الهجرة الأولى للمسيحيين من سوريا حصلت من بعد التأميم، أي من بعد عام 1967. وقتها كانت هجرة كبيرة، بعد أن جاء حزب البعث إلى الحكم. المسيحيون كانوا متعايشين كثيراً في سوريا، في الخمسينات، قبل أن يصل حزب البعث كانوا متعايشين إلى حد كبير، ونحن نتذكر عندما أتى فارس الخوري رئيساً للبرلمان، كما أتى رئيساً للحكومة لفترة قصيرة. أما كرجال أعمال وتجار وصناعيين، فقد كان وضعهم منتعشا جداً. لكن عندما تسلم حزب البعث ضربت وضعيتهم بسبب عمليات «التأميم» التي حصلت، وأكبر دليل أن كثيرا من العائلات المسيحية الناجحة في لبنان في الوقت الحاضر في الصناعة والتجارة والأعمال منهم من جاء وقتها من حلب وجوارها. وكانت هذه أول هجرة فعلية حصلت.
ثاني موجة كانت على أثر الأحداث التي حصلت في السبعينات التي لم تَطَل المسيحيين مباشرةً، لكن المسيحيين لا يستطيعون أن يعيشوا في جو قمعي مثل الذي كان موجوداً في سوريا، وبعدها الذين بقوا تأقلموا مع الوضع كما هو.
ثالث موجة وهي التي تحصل الآن مع بدء الثورة السورية. كل شيء اسمه نظام ديكتاتوري أو نظام ديني لا يمكن أن يتعايش المسيحيون معه، وخلافا لما يفكر فيه البعض، أنا أعتقد أنه إذا صار هناك ديمقراطية - وفي نهاية الأحداث الحاصلة في الشرق الأوسط ولو بعد حين سوف يصبح هناك ديمقراطية - حينها يستعيد المسيحيون انتعاشهم، وقسم منهم يرجع إلى سوريا والعراق ويبنون من جديد لأنهم لا يستطيعون أن يوجدوا إلا في مناخات كهذه.
* لماذا التعامل مع المسيحيين كأنهم جالية غريبة في هذه المنطقة، وتكون «فشة الخلق» فيهم عند كل حدث أو عند كل منعطف، كيف تفسر هذا؟
- في الحقيقة هذا التوصيف ليس دقيقاً، اليوم إذا أردت أن ترى كم شيعياً أو سنياً قتلوا في العراق على سبيل المثال، وكم من المسيحيين والإيزيديين قتل، ستجد أن النسبة الأقل - لأن الأعداد ليست متشابهة - هي عند المسيحيين. لا يمكننا أن نعتقد أنه إذا أصبح هناك أحداث كبرى ممكن أن يكون المسيحيون بمعزل عنها، لكن بعض الفرقاء يستهدفهم مباشرة وهم سيئو الذكر «داعش» والقاعدة وأخواتهما، وليس هناك شك أنهم مرفوضون من قاموسنا جملة وتفصيلاً وهذا تحصيل حاصل. لكن لا يمكننا أن نسبغ هذه الصفة على الأحداث الحاصلة ككل. هذه الأحداث التي تحصل تمر على كل الناس ومن جملتها المسيحيون. هم من أبناء المجتمعات الأصليين، لذلك يلحقهم ما يلحق بهذه المجتمعات الأخرى، وأنا أنظر لها من هذا المنظار، ويجب أن نساعدهم لأنهم أقل من غيرهم، غيرهم يتحمل كما قال لي أحد مطارنة العراق من أن الفارق هو أن الشيعة في العراق تقريباً 15 مليوناً، فيما أن خسارة 2000 من المسيحيين هو عدد كبير، لذلك علينا أن نقدم لهم عناية خاصة لمسيحيي العراق وسوريا.
* إلى متى يستطيع مسيحيو الشرق أن يبقوا صامدين بسبب هذه الموجات؟
- يجب أن يبقوا صامدين، لأنهم ليسوا أجانب على الأرض، بل من صلبها وخصوصاً مسيحيو سهل نينوى. هم في أساس الثقافة الموجودة هناك، إن كانت آشورية أو كلدانية أو سومرية أو سريانية، هم ليسوا مستوردين أو جاءوا بالأمس إلى هذه الأرض. لذلك عليهم أن يتوحدوا ويتمسكوا بأرضهم. لا شك أن الأمر صعب وعلينا أن نقوم بمساعدتهم ليتمسكوا لكن في البداية هم من يجب أن يتمسك لأن أرضهم لها حق عليهم.
* ما رأيك في نظرية تحالف الأقليات في المنطقة التي يروج لها.. البعض يقول إن هناك وحشا كبيرا يأتي إلى المنطقة وعلى الأقليات أن تتوحد مع بعضها لكي تستطيع أن تدافع عن نفسها؟
- أنا لست مع هذه النظرية بكل صراحة، فمن هم الأقليات؟ مثلاً، النظام في سوريا يعتبر أقليات فهل يمكن لأي مسيحي عاقل يحفظ الحد الأدنى من الإنجيل ومن القيم التي من المفترض أن يتحلى بها الإنسان، أن يمشي مع هذا النظام؟ طبعاً لا. ثانياً إذا فكرت عملياً على سبيل المثال لا الحصر، من ألحق أكبر ضرر بمسيحيي سوريا ومسيحيي لبنان؟ النظام (السوري) نفسه، مسيحيو سوريا من خلال الممارسات السابقة التي حصلت، فإذا هاجروا مع استلام البعث وفيما بعد نظام الأسد رويداً رويداً، فهذا لا يعني أنهم لم يهاجروا. نعم هاجروا. وهذا لا يعني أن نظام الأسد إذا قال إنه دخل إلى لبنان لكي يساعد المسيحيين، وهو عملياً الوحيد الذي كسر ظهرهم، ولنتذكر بالأحداث المباشرة سنة 1990 كان هناك حزبان كبيران عند المسيحيين، حزب القوات اللبنانية، والتيار الوطني الحر، من الذي ضربهما؟ نظام حافظ الأسد وفيما بعد نظام بشار الأسد. أخاف أحدهما إلى حد أنه هرب إلى فرنسا، والثاني لم يستطع أن يخيفه، فحاول اغتياله، ولما فشل، وضعه في السجن. إذن كيف هو تحالف الأقليات.
ومن جهة ثانية نحن بصفتنا مسيحيين لدينا سلم قيم معينة، وطرح معين بما يتعلق بكل شيء في الشرق الأوسط. نتحالف مع الذي ينسجم مع هذه الطروحات وتكون طروحاته شبيهة بطروحاتنا أيا كان، ونتخاصم مع الذي عنده طروحات مضادة وهذه تكون المقياس.
* يأخذ البعض عليك أنك قللت من أهمية «داعش» ومثيلاتها، ألا تخاف من هذه الظاهرة؟
- أنا لم أقلل للحظة من وحشية إجرام «داعش»، بل على العكس، أنا أراهم جماعة من المجرمين، وأعتبرهم منحرفين حتى إشعار آخر. لأنني لا أتصور أن هناك بشرياً، مهما كانت عقيدته يستطيع أن يقتل إنسانا أمام الكاميرا بدم بارد وهو أسير عنده. هذه حصلت في القرون الوسطى وما قبل، ولم تحصل من بعدها، النازيون فقط قاموا بها والآن «الداعشيون» يقومون بها. وانطلاقاً من تصرفاتهم وعقيدتهم الفعلية وليست الظاهرية، فلا أرى أن لديهم مقومات استمرار أو مقومات بناء شيء جدي. هم موجودون لأن هناك حالة فوضى عارمة في سوريا والعراق، لكن في أي وضع من الأوضاع يكون فيه حد أدنى من النظام، فهم لا يمكن أن يكون لهم وجود، وأنا لا أخاف منهم من هذا المعنى والمنطلق، وليس لأنني لا أرى إجرامهم ووحشيتهم ونزعتهم التدميرية، لكني لست خائفاً منهم، بدليل أنهم عندما وجدوا من يقاتلهم تراجعوا. هم احتلوا سد الموصل، ثم خرجوا منه خلال يومين عندما لاقوا مواجهة، فعلينا أن لا نأخذ فكرة أن بروزهم من مناطق كثيرة وكأنهم جيش جرار، لا يمكن توقيفهم إلا بجيش الحلف الأطلسي وهذا ما أعنيه. على الرغم من تأكيدي على دمويتهم فهم من قرون ما قبل الجاهلية وهذا ما يجعلك لا تخاف منهم. أولاً لأنه لا شيء أخافنا منذ آلاف السنين إلى الآن في الشرق الأوسط، ثانياً لأنهم بطبيعتهم يحملون بطياتهم بذور فنائهم وهذا ما يجعلني لا أتخوف منهم.
* وكيف ذلك؟
- عقيدتهم وقناعتهم وتصرفاتهم، بدليل أنه أول مرة منذ زمن كتلوا كل العالم ضدهم.. الأكراد والسنة المعتدلون والعشائر والشيعة يتكتلون ضدهم فتصور ذكاء تنظيم «داعش»، آخر فترة نرى كم كانوا جميعهم متباعدين، لكنهم جمعوهم ووحدوهم ضد تنظيمهم. حتى الرئيس الأميركي باراك أوباما قام على الفور وبدأ بالضربات الجوية من بعد أن كانت عقيدة عنده وليست سياسة بعدم التدخل الأميركي في الخارج. هذه الجماعات متوحشة جداً، لكن في أي عمل يقومون به سيفشلون، لذلك هم يحملون بطياتهم بذور فنائهم.
* كيف هو السيل للتعاطي معهم في هذه المرحلة؟
- تجب مواجهتهم بشكل كامل ودون هوادة، لأن جماعات مثل «داعش» لا يمكن أن تتعامل معهم بغير المواجهة الكاملة وحتى النهاية. يجب القضاء عليهم لأنهم بذور فساد في البشرية ككل، وهم أكثر من ألحق ضررا بالإسلام، ولذلك اتخذت المملكة العربية السعودية موقفاً حازماً وواضحاً بهذا الخصوص، لأن وجود هذا التنظيم هو أكبر تحدٍ للإنسانية بحد ذاتها. وبغض النظر عن حجم خطرهم لكن معنوياً أن يوجد في القرن الـ21 نوعية بشر كتلك غير ممكن. كأن البشرية عاشت 21 قرناً من دون أن تفعل شيئاً وكأنه لم يحصل حضارات ولا ثقافات ولا تقدم بالمفاهيم، فـ«داعش» هم عكس الإنسانية وعكس الإسلام والمسيحية، وبالتالي هم سرطان يجب استئصاله في أسرع وقت ممكن.
* هل تخاف منهم في لبنان؟
- كلا
* حتى بعد أحداث بعد عرسال؟
- أيضا لا أخاف منهم.. على الرغم مما انتهت إليه أزمة عرسال، على الرغم من أنه كانت نواطير مصر قد نامت عن ثعالبها.
* لماذا كانوا نائمين؟
- عندما تكون هناك سلطة سياسية غائبة عن الوعي، فهي غائبة عن الوعي في كل شيء. عندما يقوم ما يسمى بأمير «داعش»، قبل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع من أحداث عرسال أو شهر، ليقول بما معناه: «سنهدم أسوار سجن رومية». كما أن أجهزة المخابرات شعرت أن هناك شيئا ما غير اعتيادي يحصل. ومع هذا كان هناك استرخاء أمني وعسكري، فليس هناك جدية في التعاطي مع الأمور.
كلنا نعرف أن «داعش» إذا أرادت أن تأتي إلى لبنان فسوف تأتي من الحدود الشرقية، فلماذا لا نغلق الحدود الشرقية؟ يقولون إن عدد الجيش لا يكفي. نعم هذا صحيح لكن هناك 50 دولة طرحت علينا أن تساعد الجيش اللبناني لضبط الحدود اللبنانية السورية، لماذا لا نأخذ العروض هذه؟ وبوسائل تقنية متطورة تكلف 5 عسكريين كل 10 كلم، وبالتالي فالجيش قادر على فعلها بسهولة، لكن هذا لم يحصل لماذا؟ لأن الشباب في حزب الله لا يريدون ضبط الحدود اللبنانية السورية لكي يقوموا بهواياتهم المفضلة عند الحدود (اللبنانية - السورية) بالتسلق والهرولة والسباحة!
* في مناطق البقاع الشمالي، صدرت تقارير أن المسيحيين في تلك المنطقة بدأوا بإقامة الأمن الذاتي، وهناك كلام أن القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر يشاركان بها.
- ليس صحيحاً أن مناصرينا شاركوا، والوضع في تلك المنطقة كما هو لا يحتاج إلى حراسة. ماذا تفعل له الآن طالما الجيش والقوى الأمنية أمامهم بكيلومترات كثيرة تصل إلى 40 كيلومترا، لكن ما يحصل، أن البعض، وللأسف بتشجيع من بعض الأجهزة الأمنية في الدولة ولأسباب سياسية بحتة، وليس لأسباب فعلية لحماية القرى، يقومون بتحرك ما. ومن دون شك أن هناك بعض أصحاب الوجدان الحي الذين يفكرون أن هذه القرى يجب حمايتها لكنهم أقلية. وعملياً المجموعات التي تراها تتسلح في تلك المنطقة هي مجموعة أحزاب 8 آذار، ولو أن 8 آذار فعلياً يريدون حماية تلك القرى المسيحية لكانوا طالبوا معنا بضبط الحدود اللبنانية السورية، وهذا الذي يحمي الحدود اللبنانية السورية بالفعل. فلو - لا سمح الله - تمكنت هذه المجموعات المسلحة من أن تخترق الجيش في عرسال، فماذا يستطيع هؤلاء القلة من الشباب المسلح في القرى أن يفعلوا أمامهم؟ هل يستطيعون منعها وتوقيفها؟ بالتالي حماية القرى المسيحية في منطقة البقاع الشمالي تكون بضبط الحدود اللبنانية السورية وهذا ما ترفضه قوى 8 آذار لأسباب معروفة.
* ألا يعيش مسيحيو لبنان برأيك حالة خوف من هذا المد الذي يأتي صوبهم؟
- ليس هناك مد يحصل، أقله في الوقت الحاضر. لكن من دون أدنى شك هي تخلق نوعاً من القلق، لكن بكل صراحة نحن في القوات اللبنانية في الأسابيع الأخيرة نسعى بكل جهدنا لطمأنة الناس، وأن هذا الذي يحصل هو يحصل في سوريا وفي العراق ولا يمكن أن يحصل في لبنان لأسباب كثيرة، ونحن نلاقي أذاناً صاغية.
* لكن هناك قوى أساسية، كالتيار الوطني الحر تطلق صرخات الإنذار من هذا الخطر.
- هناك بعض الأحزاب السياسية كل ما تقوم به هو تخويف المسيحيين، وما نقوم به نحن هو العكس تماماً. ولو كان في العراق «داعش»، من قال لكم إنهم سيأتون إلى لبنان ويفعلون كذلك، أو هم قادرون أصلا على الوصول إلى لبنان، وإن وصلوا ستكون مقبرتهم هنا.. ليس أقل من ذلك.
* يقال إن مزاج الشارع المسيحي هو مزاج الخائف وبالتالي هو مع الفكر الذي يطرحه التيار الوطني الحر تحديداً بما يتعلق بالشارع، إذا أجريت الانتخابات الآن، هل تخافون من الشارع المسيحي أم لا؟
- كلا، والدليل أنه على الرغم من أن كثيرا من حلفائنا مع التمديد (لولاية البرلمان الحالي)، لكن نحن لسنا معه وانطباعاتنا بالعكس، الرأي العام المسيحي قسم منه غش سنة أو اثنتين، لكن في النهاية الأمور أصبحت واضحة عنده وبالأخص من خلال طريقة التعاطي بموضوع رئاسة الجمهورية. أنا لا أرى الوضع هكذا على الإطلاق، لكن من دون شك أن هناك قلقاً يحصل هنا أو هناك ونحن نسعى ليلاً ونهاراً لكي نغيّر هذا القلق، لكن للأسف يأتي فرقاء آخرون يعززون هذا القلق. أنا أتمنى أن تجرى الانتخابات غداً لنرى بالضبط أين أصبح الرأي العام المسيحي.
* هل سيكون هناك انتخابات؟
- رأينا أن يكون هناك انتخابات، لكن هل سيكون انتخابات أم لا، علينا أن نرى أكثرية الكتل في المجلس النيابي ماذا تريد أن تفعل.
* يبدو أن هناك مسارا يتجه نحو التمديد.
- المواقف لم تتضح الآن، لكن موقفنا ليس مع التمديد، بل مع إجراء انتخابات على الرغم من غياب رئيس الجمهورية، لأن هذه معضلة دستورية كبيرة جداً، لا أنكر هذا، معضلة دستورية في أن تجري انتخابات نيابية في غياب رئيس الجمهورية وماذا يحصل في الحكومة، كيف ستتشكل ومن سيكلف، فهناك مجموعة معضلات دستورية سترافق حصول انتخابات نيابية. وبالتالي الأفضل أن تذهب إلى ما هو طبيعي وهو حصول انتخابات.
* في حال جرى الاتفاق على التمديد، ماذا سيكون موقفكم؟
- موقفنا سيبقى نفسه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ماذا علينا أن نفعل.
* اليوم نحن أصبحنا 100 يوم من دون رئيس، إلى متى سنبقى كذلك؟
- صراحة، لا أرى نهاية سريعة للمأزق الرئاسي، طالما أن العماد عون مصر على رأيه الذي يقتضي أن يكون هو رئيس الجمهورية أو أن لا يكون هناك رئيس للجمهورية. ومن جهة أخرى هذا الموقف يناسب حزب الله كثيراً، الذي يختبئ خلفه، لأن بالنسبة لحزب الله، الأفضل أن لا يكون هناك رئيس في الأصل، وبالأخص بعد تجربته في السنة الأخيرة مع الرئيس ميشال سليمان، لذلك لست متفائلا بحل سريع لأزمة رئاسة الجمهورية، لكن نحن لن نستسلم وسنكمل ضغوطنا إلى حد أن نتمكن في أن تحصل انتخابات رئاسة الجمهورية.
* هل أنت مستمر في ترشحك؟
- طبعاً.
* ليس هناك استعداد للمقايضة بهذا الموضوع؟
- طبعاً لدي استعداد كبير جداً في أن أبحث بأي حل ممكن للخروج من مأزق انتخابات رئاسة الجمهورية، لكن على أساس الخروج بحل. لكن ليست الفكرة أن لا أستمر في ترشيحي وليس هناك حل، فأنا مستمر في ترشيحي رغم عدم تمسكي به إلى أن نرى حلاً بديلاً والوصول إلى مخرج للانتخابات الرئاسية، أو إلى حين الوصول إلى رئيس جمهورية جديد.
* هناك بعض الأطراف داخل مسيحيي 14 آذار توحي أنها قادرة على تأمين نوع من الأصوات من الطرف الثاني.
- أنا فوراً أسير بالموضوع عندما يتأكد هذا الشيء، وليس لدي أي مشكلة. لست أبداً مرشح «أنا أو لا أحد» على الإطلاق، لكن نريد حلا بديلا، لأنه بغياب الحل البديل يكون مجرد انتحار الانسحاب على طريقة «الفن للفن». وإذا كان هناك أي فريق أو شخص من 14 آذار يعتبر أنه قادر على أن يحصل على تأييد الآخر، فأنا لا أتمسك، لكن ليس هذا الواقع الآن، لا يوجد أحد يستطع أن ينال تأييد الفريق الآخر.
* ليس هناك بحث جدي في موضوع الانتخابات الرئاسية.. لماذا؟
- بتمترس العماد عون في موقفه، فبماذا تستطيع أن تبحث؟ هذا يعني أن الفريق الآخر غير قادر على أن يبحث معك عن حال آخر، لديك حل واحد متوفر وهو أن تذهب إلى انتخابات وليفز من يستطيع أن يؤمن الأصوات المطلوبة.



تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يشهد شرق اليمن، وتحديداً وادي حضرموت ومحافظة المهرة، واحدة من أكثر موجات التوتر خطراً منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل (نيسان) 2022، وسط تصاعد في الخطاب السياسي، وتحركات عسكرية ميدانية، وإعادة رسم للتحالفات داخل المعسكر المناهض للحوثيين؛ الأمر الذي يضع البلاد أمام احتمالات مفتوحة قد تنعكس على كامل المشهد اليمني، بما في ذلك مسار الحرب مع الجماعة الحوثية، وواقع الإدارة المحلية، ووضع الاقتصاد المنهك.

وفي هذا السياق، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي بوضوح نيته المضي نحو تعزيز سيطرته الأمنية في وادي حضرموت. وقال علي الكثيري، رئيس الجمعية الوطنية للانتقالي، إن «الانتصارات الأخيرة شكلت بارقة أمل لأبناء حضرموت»، مشيراً إلى أن «مرحلة ما بعد التحرير تتطلب تضافر الجهود للحفاظ على المكتسبات».

رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عيدروس الزبيدي (أ.ب)

وكان لافتاً حديثه عن أن «تأمين وادي حضرموت يمثل أولوية قصوى»، في إشارة مباشرة إلى مطلب الانتقالي القديم بإخراج القوات الحكومية من الوادي واستبدالها بقوات «النخبة الحضرمية» الموالية له، بالتوازي مع تأكيده أنّ الجنوب «مقبل على دولة فيدرالية عادلة»، في تكرار لرؤيته الداعية إلى إنهاء الوحدة بصيغتها الحالية.

بالنسبة للانتقالي، فإن السيطرة على وادي حضرموت والمهرة ليست مجرد توسع جغرافي؛ بل جزء من رؤية استراتيجية تهدف إلى ترسيخ النفوذ جنوباً استعداداً لأي تسوية سياسية مقبلة بخاصة في ظل مطالب المجلس باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990.

موقف العليمي

في المقابل، صعّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي خطابه بعد أن غادر العاصمة المؤقتة عدن بالتوازي مع تصعيد المجلس الانتقالي؛ إذ شدد بشكل واضح على «انسحاب القوات الوافدة من خارج حضرموت والمهرة» وتمكين السلطات المحلية من إدارة شؤون المحافظتين.

وجاءت مواقف العليمي من خلال تصريحاته أمام السفراء الراعيين للعملية السياسية في اليمن، وأخيراً من خلال اتصالات هاتفية مع محافظي حضرموت والمهرة، في رسالة أراد من خلالها تقديم دعم مباشر للسلطات المحلية والدفع نحو تهدئة التوتر بعيداً عن الخطوات الأحادية التي أعلنها المجلس الانتقالي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وشدد العليمي على ضرورة «عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، محذراً من مخاطر التصعيد على الاقتصاد والواقع الإنساني. كما دعا إلى «تحقيق شامل في الانتهاكات المرافقة للإجراءات الأحادية»، في إشارة إلى الاعتقالات والإخفاءات التي تقول جهات حقوقية إنها رافقت عمليات الانتقالي في بعض المناطق الجنوبية.

ويبرز من هذه التصريحات حجم الهوة داخل مجلس القيادة الرئاسي نفسه؛ إذ يتحرك كل طرف من أطرافه بشكل مستقل، بينما تتسع الفجوة بين مواقف العليمي والانتقالي بشأن مستقبل الإدارة الأمنية والعسكرية للشرق اليمني.

مخاوف واسعة

يثير تصاعد الأحداث في شرق اليمن مخاوف من أن تتحول حضرموت والمهرة، وهما أكبر محافظتين في البلاد مساحة، إلى بؤرة صراع داخلي قد تجرّ اليمنيين إلى فوضى جديدة. فالمنطقة، التي تمتاز بامتدادات جغرافية واسعة وثروات نفطية ومنافذ برية مهمة مع السعودية وسلطنة عُمان، حافظت لسنوات على نمط من الاستقرار النسبي مقارنة بمناطق الحرب الأخرى.

لكن دخول قوات إضافية وفرض وقائع أمنية وعسكرية قد يؤدي إلى تقويض الإدارة المحلية التي تعتمد على التوازنات القبلية والسياسية، وعرقلة إنتاج النفط الذي يمثل شرياناً اقتصادياً أساسياً، مع ارتفاع خطر الجماعات المتطرفة التي تستغل عادة الفراغات الأمنية، إضافة إلى تعميق الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي وانعكاس ذلك على قدرته في إدارة ملفات الحرب والسلم.

كما يهدد التصعيد بتفاقم الأزمة الإنسانية في بلد يعيش أكثر من 23 مليون من سكانه على المساعدات، بينما تشير تقارير أممية إلى أن 13 مليوناً قد يبقون بلا دعم إنساني كافٍ خلال العام المقبل.

تنسيق الزبيدي وصالح

على خلفية هذه التطورات، أجرى طارق صالح اتصالاً برئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، في خطوة أضافت طبقة جديدة من التعقيد، بخاصة وأن الطرفين عضوان في مجلس القيادة الرئاسي الذي يقوده العليمي.

وحسب بيان الانتقالي، ناقش الطرفان «سبل التنسيق المشترك لإطلاق معركة لتحرير شمال اليمن من الحوثيين»، مؤكدين أن «المعركة واحدة والمخاطر واحدة»، مع الإشارة إلى تعاون مستقبلي لمواجهة «الجماعات الإرهابية» بما فيها الحوثيون وتنظيم «القاعدة».

المجلس الانتقالي الجنوبي يطالب باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)

هذا التواصل ليس عادياً؛ فهو يجمع بين قيادتين تنتميان لمدرستين سياسيتين مختلفتين، الزبيدي بمشروعه الانفصالي جنوباً، وطارق صالح بمشروع «الجمهورية الثانية» شمالاً. لكن المشترك بينهما هو الرغبة في إعادة ترتيب موازين القوة داخل المعسكر المناهض للحوثيين، وتشكيل محور عسكري قادر على التحرك خارج حسابات الحكومة الشرعية، غير أن الرهان دائماً سيكون منوطاً بالإيقاع السياسي الذي تقوده الرياض.

وحسب مراقبين، يسعى الطرفان إلى استثمار الجمود في مسار التفاوض مع الحوثيين وملء الفراغ الناجم عن التغاضي الدولي تجاه الوضع في اليمن؛ وذلك لصياغة تحالف جديد يعيد تشكيل الخريطة السياسية، ويمنح كلاً منهما مساحة أكبر للتأثير، لكن كل ذلك يبقى غير مضمون النتائج في ظل وجود التهديد الحوثي المتصاعد.

بين الحوثيين والانتقالي

تأتي هذه التطورات في وقت تتراجع فيه العمليات القتالية بين الحكومة والحوثيين على معظم الجبهات. ومع أن الحوثيين يواصلون الحشد والتجنيد، فإن خطوط الجبهة الداخلية بين شركاء «معسكر الشرعية» باتت أكثر اشتعالاً من خطوط القتال مع الحوثيين أنفسهم.

ويحذّر خبراء من أن أي انقسام إضافي داخل هذا المعسكر سيمنح الحوثيين هامشاً أوسع لتعزيز نفوذهم، خصوصاً أنهم يراقبون من كثب ما يجري في الشرق، حيث تعتمد الحكومة الشرعية على الاستقرار هناك لضمان مرور الموارد والتحركات العسكرية.

وبين دعوات الانتقالي إلى «مرحلة ما بعد التحرير»، ومطالب العليمي بعودة القوات إلى تموضعها السابق، ومحاولات الزبيدي وطارق صالح لتشكيل موقف موحد، يجد سكان حضرموت والمهرة أنفسهم أمام مشهد معقد يشبه صراع نفوذ متعدد الطبقات.

وفد سعودي برئاسة اللواء محمد القحطاني زار حضرموت لتهدئة الأوضاع (سبأ)

فالمنطقة التي لطالما عُرفت بقبائلها وامتدادها التجاري والاجتماعي مع دول الخليج، باتت اليوم ساحة اختبار لمعادلات سياسية تتجاوز حدودها، وسط مخاوف من أن يقود هذا التصعيد إلى هيمنة على السلطة تتناسب مع المتغيرات التي فرضها المجلس الانتقالي على الأرض، بالتوازي مع تحذيرات من انفجار جديد يعمّق الانقسام اليمني بدلاً من رأبه.

وفي كل الأحوال، يرى قطاع عريض من اليمنيين والمراقبين الدوليين أن العامل الحاسم يظل مرتبطاً بموقف الرياض التي تمسك بخيوط المشهد الرئيسية، وقد دعت بوضوح إلى خفض التصعيد والتهدئة، عادَّة أن أي فوضى في المناطق المحررة في الجنوب والشرق اليمني ستنعكس سلباً على جهود إنهاء الحرب مع الحوثيين، مع اعترافها الواضح أيضاً بعدالة «القضية الجنوبية» التي يتبنى المجلس الانتقالي الجنوبي حمل رايتها.


«خطط الإعمار الجزئي» لرفح الفلسطينية... هل تُعطّل مسار «مؤتمر القاهرة»؟

يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
TT

«خطط الإعمار الجزئي» لرفح الفلسطينية... هل تُعطّل مسار «مؤتمر القاهرة»؟

يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)

حديث عن خطط للإعمار الجزئي لمناطق في قطاع غزة، تقابلها تأكيدات عربية رسمية بحتمية البدء في كامل القطاع، بعد نحو أسبوعين من تأجيل «مؤتمر القاهرة» المعني بحشد تمويلات ضخمة لإعادة الحياة بالقطاع المدمر وسط تقديرات تصل إلى 35 مليار دولار.

تلك «الخطط الجزئية» التي تستهدف مناطق من بينها رفح الفلسطينية، تقول تسريبات عبرية إن حكومة بنيامين نتنياهو وافقت على تمويلها، وهذا ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تماشياً مع خطط أميركية سابقة حال التعثر في الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأشاروا إلى أن مؤتمر القاهرة للإعمار سيعطل فترة من الوقت؛ ولكن في النهاية سيعقد ولكن ليس قريباً ومخرجاته ستواجه عقبات إسرائيلية في التنفيذ.

ونقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، وذلك بعد طلب من الولايات المتحدة الأميركية، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوبي القطاع من أجل إعادة إعمارها.

ويتوقع، وفق مصادر الصحيفة، أن تكون إسرائيل مطالبة بإزالة أنقاض قطاع غزة بأكمله، في عملية ستستمر سنوات بتكلفة إجمالية تزيد على مليار دولار.

وترغب الولايات المتحدة في البدء بإعادة إعمار رفح، على أمل أن تجعلها نموذجاً ناجحاً لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتأهيل القطاع، وبالتالي جذب العديد من السكان من مختلف أنحائه، على أن يعاد بناء المناطق الأخرى في مراحل لاحقة، وفق الصحيفة الإسرائيلية.

تلك التسريبات الإسرائيلية، بعد نحو أسبوعين من تصريحات للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط»، أكد خلالها أن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

وفي 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن المؤتمر «لن ينعقد في موعده (نهاية نوفمبر) وسيتأجل». وأرجع ذلك إلى التصعيد الحالي بالقطاع، وسعي القاهرة إلى توفر ظروف وأوضاع أفضل على الأرض من أجل تحقيق أهدافه، تزامناً مع تقرير عن مخططات إسرائيلية لتقسيم قطاع غزة لقسمين أحدهما تحت سيطرة إسرائيلية والآخر تتواجد فيه «حماس» ولا يتجاوز نحو 55 في المائة من مساحة القطاع.

صبيان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وذلك وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار. ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

ويرى عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن، أن تلك الخطط لن يوافق عليها ضامنو وبعض وسطاء اتفاق غزة باعتبارها مخالفة للاتفاق، وتطرح مع تحركات إسرائيلية لتعطيل المرحلة الثانية بدعوى أهمية البدء في نزع سلاح القطاع أولاً.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن موافقة إسرائيل على تمويل الإعمار الجزئي وعودة الترويج له إسرائيلياً، يشير لعدم احتمال الوصول لمرحلة ثانية واللجوء لخطة بديلة تحدث عنها جاريد كوشنر صهر ترمب بالبناء في المناطق الخارجة عن سيطرة «حماس» ما دامت الحركة لم تُنهِ بند نزع السلاح، مشيراً إلى أن عودة الحديث عن خطط الإعمار الجزئي تؤخر الإعمار الشامل وتعطي رسالة للدول التي ستمول بأن ثمة عقبات، وبالتالي ستعطل عقد مسار مؤتمر القاهرة.

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، ما دام أمكن تأمينها لبدء البناء كغزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

فلسطينيون نازحون يسيرون أمام المباني المدمرة في حي تل الهوى في الجزء الجنوبي من مدينة غزة (أ.ف.ب)

تلك الخطط الجزئية تخالف مواقف عربية، وشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، في اتصال هاتفي، الخميس، على ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاق وقف الحرب في القطاع، وحتمية البدء في عملية إعادة إعمار القطاع، وفق بيان للرئاسة المصرية.

وفي مقابلة مع المذيع الأميركي تاكر كارلسون، بـ«منتدى الدوحة»، الأحد الماضي، قال رئيس الوزراء القطري، محمد عبد الرحمن آل ثاني «لن نتخلى عن الفلسطينيين، لكننا لن نوقّع على الشيكات التي ستعيد بناء ما دمره غيرنا».

ويعتقد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» أن طلب قطر قبل أيام بتحمل إسرائيل تمويل ما دمرته «تعبير عن موقف عربي صارم للضغط لعدم تكرار التدمير»، مشيراً إلى أن مصر تدرك أيضاً أن إسرائيل تتحرك في الخطة البديلة بإعمار جزئي في رفح لكن القاهرة تريد تعزيز الموقف العربي المتمسك بالإعمار الكامل، والذي سيبدأ مؤتمره مع بدء المرحلة الثانية التي تشمل انسحاباً إسرائيلياً. بينما يرى المحلل السياسي الفلسطيني أن الموقف العربي سيشكل ضغطاً بالتأكيد لكن هناك وجهات نظر متباينة، مشيراً إلى أن مؤتمر إعمار القاهرة مرتبط بحجم التقدم في المرحلة الثانية ونزع السلاح بالقطاع؛ إلا أنه في النهاية سيحدث، لكن ليس في القريب العاجل وستكون مخرجاته مهددة بعقبات إسرائيلية.


جبايات الحوثيين تعمّق الركود الاقتصادي وتغلق عشرات الشركات

ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
TT

جبايات الحوثيين تعمّق الركود الاقتصادي وتغلق عشرات الشركات

ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)

تتواصل الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بصورة متسارعة، مع تصاعد شكاوى التجار من الزيادات الجديدة في الضرائب والرسوم المفروضة عليهم، وهي إجراءات وصفوها بـ«التعسفية»، كونها تمتد إلى مختلف الأنشطة التجارية دون استثناء.

في هذا السياق، أكد تقرير دولي حديث أن الضغوط المالية المفروضة على القطاع الخاص باتت تهدد بقاء مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة، كما دفعت بالفعل العديد منها إلى إغلاق أبوابها خلال الأشهر الماضية.

وحسب التقرير الصادر عن «شبكة الإنذار المبكر للاستجابة للمجاعة»، فإن الوضع الاقتصادي في مناطق الحوثيين «يستمر في التدهور بوتيرة متصاعدة»، نتيجة الحملات المتكررة للجبايات التي تستهدف المطاعم والمتاجر والفنادق وقطاعات التجزئة.

وأشار التقرير إلى أن سلطات الحوثيين فرضت مؤخراً رسوماً إضافية على التجار تحت مبرر دعم الإنتاج المحلي، غير أن تلك الرسوم جاءت في سياق سلسلة ممتدة من القيود المالية والتنظيمية التي أثقلت كاهل أصحاب الأعمال.

الحوثيون تجاهلوا مطالب التجار بالتراجع عن زيادة الضرائب (إعلام محلي)

واحد من أبرز هذه الإجراءات كان فرض ضريبة جمركية بنسبة 100 في المائة على السلع غير الغذائية المستوردة، وهو ما أدى -وفق التقرير- إلى إغلاق عدد كبير من محلات التجزئة والمؤسسات الصغيرة التي لم تعد قادرة على تحمّل ارتفاع التكلفة التشغيلية والانخفاض المتواصل في الطلب. وتزامن ذلك مع استمرار الحوثيين في تجاهل مطالب التجار بالتراجع عن هذه الزيادات، رغم الاحتجاجات التي شهدتها صنعاء خلال الأسابيع الماضية.

تراجع غير مسبوق

يشير التقرير الدولي إلى أن العمل بالأجر اليومي والأعمال الحرة التي كانت تشكّل مصدر دخل رئيسياً للأسر الفقيرة والمتوسطة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، باتت تواجه تراجعاً غير مسبوق نتيجة خسائر الدخل وتراجع القدرة الشرائية.

ويحذّر التقرير من أن استمرار هذا التراجع سيقلل «على الأرجح» من قدرة الأسر على الحصول حتى على الغذاء بالتقسيط، وهو إحدى آخر الوسائل التي كان يعتمد عليها السكان خلال السنوات الماضية لمواجهة الضائقة المعيشية.

المزارعون والتجار في مناطق سيطرة الحوثيين يعانون من الجبايات (رويترز)

وفي المقابل، استعرض التقرير الإجراءات الاقتصادية التي تنوي الحكومة المعترف بها دولياً اتخاذها، ومنها رفع سعر الدولار الجمركي بنسبة 100 في المائة.

وعلى الرغم من التأكيدات الحكومية أن المواد الغذائية الأساسية مستثناة من هذا التعديل، يتوقع محللون أن ترتفع أسعار السلع غير الغذائية بنحو 6 إلى 7 في المائة، وسط مخاوف من استغلال بعض التجار للوضع ورفع الأسعار بنسب أكبر في ظل ضعف الرقابة المؤسسية.

استمرار الأزمة

تتوقع «شبكة الإنذار المبكر» أن تستمر حالة الأزمة واسعة النطاق في اليمن (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي للأمن الغذائي) حتى مايو (أيار) من العام المقبل على الأقل.

ويعزو التقرير الدولي ذلك إلى تأثيرات الصراع الاقتصادي بين الحوثيين والحكومة اليمنية الشرعية الذي أدى إلى تقويض النشاط التجاري، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور بيئة الأعمال، بالإضافة إلى ضعف سوق العمل وانحسار القدرة الشرائية للمواطنين.

أما في محافظات الحديدة وحجة وتعز فيتوقع التقرير استمرار حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة)، نتيجة آثار الهجمات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت البنية التحتية الحيوية مثل المنشآت والمواني في الحديدة، بالإضافة إلى عجز سلطات الحوثيين عن إعادة تأهيل هذه المرافق.

الحوثيون متهمون بتدمير مستقبل جيل يمني بكامله جراء انقلابهم (إ.ب.أ)

وقد أدى هذا الوضع إلى انخفاض شديد في الطلب على العمالة، وتراجع مصادر الدخل الأساسية للأسر في هذه المناطق.

وتناول تقرير الشبكة التطورات المتعلقة بالوديعة السعودية للبنك المركزي اليمني، وتوقعت أن تُسهم هذه المبالغ في تعزيز المالية العامة ومعالجة عجز الموازنة، بما يمكن الحكومة من استئناف بعض التزاماتها المتوقفة، بما في ذلك صرف الرواتب.

ومع ذلك، يؤكد التقرير أن هذا الدعم «قصير الأجل» ولا يعالج المشكلات الهيكلية العميقة التي يعاني منها الاقتصاد اليمني، خصوصاً في جانب الإنتاج وفرص العمل وبيئة الاستثمار.