ميرزا الخويلدي
كاتب و صحفي سعودي
TT

من علمهم هذا السلوك؟

من يقرأ التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الحائط الإلكتروني يصاب بمتلازمتين: الخوف، والحزن!
الخوف، لأن هذا السيل الجارف من التعبيرات المشبعة بالكراهية والأحقاد تكاد ترسم ملامح اليوم التالي لمستقبلنا. مشهد مرعب عماده انهيار العلاقة بين الناس الذين تضمهم أرض ويحويهم وطن.
والحزن من هذا الانهيار الأخلاقي في مستوى النقاش الداخلي، حيث تتهاوى عند جدار التعليقات في «يوتيوب» مثلا، كل أنظمتنا الأخلاقية والتربوية. تشعر وأنت تقرأ بالغثيان من كمية القبح التي ينتجها شبابنا خريجو نظامنا التعليمي والتربوي والتوجيهي.
اليوم نحن نشاهد بأعيننا خطورة هذه الثقافة التي تغذي الشباب بالأنانية والعدوانية. ونشهد كيف يتساقط أبناؤنا جيلا بعد جيل في فخ التعصب والتشدد والإرهاب.. هذا طريق مستقيم بدايته هناك في التربية والتعليم والتوجيه الديني الذي يجعل الفتى والفتاة يشعران بالتوحش من عالمنا الذي نعيش فيه، والخصومة مع كل أجناسه ومكوناته، والشعور بالاستعلاء والتميز، وممارسة دور الرقابة والوصاية على الآخرين، وصولا إلى تجريمهم والحط من قدرهم وإسقاط حقهم في الحياة.
هذه التعليقات التي ينفر منها الإنسان السوي، يكتبها شباب بعضهم أكمل دراسته الجامعية، والبعض الآخر يتولى مراكز مرموقة في المجتمع، ويا للعجب فإن بعض التغريدات يتولى كتابتها أكاديميون ومشايخ وهي تحض على سوء السلوك ورداءة التعامل مع الناس.
هذه التعليقات تكشف انحطاط العلاقة بين الفئات المتنوعة، وصولا إلى تكوين بيئات منفصلة ومتعادية، وهو وضع سيء بذاته، فكيف إذا أضيف إليه سوء آخر هو ما يلحقه من دمار على مستقبل الأوطان.
السؤال: من يقود النقاش في بلادنا..؟ من يوجه الرأي العام..؟ هل هم المثقفون وقادة الرأي، أم السياسيون ورجال الحكومة، أم وسائل الإعلام؟ أم إن الأمر متروك لكل غرفة سوداء يتم فيها تخليق ميكروبات الكراهية وإطلاقها في الفضاء الإلكتروني..؟
هناك رجال ثقافة وفكر وإعلام لا يهمهم هذا الكلام، لأنهم لا يشعرون أنهم في خطر.. بل على العكس يشعرون أن مثل هذه السلوكيات تعزز مكاسبهم وتعزل خصومهم وتفتح لهم سوقا للاستثمار، وربما مكنتهم من ركوب الموجة وحصد جماهيرية.. لكن من يقول إن هذا الوضع سيبقى مثاليا لهم أو لغيرهم؟!
مع ذلك، فإن أي مراقب لما تضخه وسائل التواصل الاجتماعي من كتابات وتعليقات يلحظ أيضا نموا في مستوى الوعي بين فئات من الناس أصبح لديها حساسية كبيرة من كل ما يعرض المصالح العليا للبلاد للخطر. هذا هو بعض الأمل الذي يمكن أن نعبر به هذا الواقع المرير.
أمل آخر في المبادرات الحكومية التي لها الدور الأكبر في التأثير. فكلما انطلقت مبادرة تعزز روح المواطنة، وتشد العلاقة بين المواطنين وتعزز الحوار وتعمم ثقافة التسامح وتعرف الناس بعضهم ببعض، ضخت ثقافة جديدة ونوعية في المجتمع.