حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

مفهوم القوة الجديد!

كان قديما من السهل جدا تعريف معنى القوة ومفهومها، فالقوة كانت تترجم بشكل رئيسي بالمقدرة العسكرية الساحقة لطرف على حساب الآخر، ثم أضيف لهذا المفهوم بعد اقتصادي شديد الأهمية يتمثل في قدرة الدول على التأثير على أكبر قدر ممكن من الرقعة الجغرافية من العالم بفعالية عن طريق التوظيف المؤثر للموارد الطبيعية والشركات الاقتصادية المنتجة حول العالم، وهو ما بات ذا فعالية مهمة جدا ودون تكاليف في الخسائر المادية التي تأتي مع الحروب وتسيء إلى سمعة العالم، في وقت باتت فيه الأهداف الاستراتيجية للدولة القوية من الممكن أن تحقق بأقل قدر من التكلفة وبفعالية هائلة تماما.
وبدأت أشكال القوى الفرعية تظهر وتقوى، فظهرت الشركات المتعددة الجنسيات كقوى مؤثرة جدا، فكانت تارة حقبة شركات الطيران، وتارة شركات السيارات، وتارة الشركات المصنعة للمواد الغذائية، ومرات عديدة كانت للشركات الزراعية صولات وجولات عريضة جدا في أفريقيا وآسيا ودول أميركا اللاتينية في الستينات الميلادية من القرن الماضي.
وطبعا كانت شركات الدفاع والسلاح على مواعيد متواصلة مع القوة وأدوارها، فأثرت وأبدعت. كما كان للمنظمات والمؤسسات مراحل وأوقات، فعرف العالم صعودا لدور الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة العمل الدولية ومنظمة حقوق الإنسان واللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم المعروف بالفيفا.
واليوم يتطرق الكاتب الأميركي الفذ جوزيف ناي، البروفسور المعروف في جامعة هارفارد العريقة المتخصص تحديدا في كتاباته عن «القوة».. يتطرق في آخر كتبه الذي صدر بالعنوان اللافت والجذاب «مستقبل القوة» للتطورات المتوقعة والمحتملة على الساحة العالمية بسبب التطور غير المسبوق في تقنية المعلومات الذي سيسمح بقيام «مجاميع مؤثرة» تحطم وتخترق وتدمر وتبتز بالتالي أهم مؤسسات الدول الكبرى، بل وقد يتسبب في «ضربها» ضربة محكمة تؤدي إلى شلل كامل في القطاعات الحيوية ليكون بذلك الضربة الهائلة لحرب الإرهاب الإلكتروني.
تقنية المعلومات تؤدي إلى «تمكين» الدول الناشئة من القرارات المصيرية التي تخصها وتحسين فرصها في الحصول على نصيب أكبر من مواردها الطبيعية، وبالتالي تطوير مكانتها على خارطة العالم، وبالتالي يعتقد الكاتب جوزيف ناي أن هناك تغيرا جديدا متوقعا في قواعد اللعبة واللاعبين عليها، وهذا التغيير من المتوقع أن تخرج منه مجاميع إرهابية «تشل» تفكير العالم في لحظات من الزمن بحسن استخدامها للصوت والصورة المؤثرة في الإعلام، وتفعيل حقيقي لحسابات الرسائل الإعلامية من قنوات التواصل لتكبر من حجم تأثيرها وإعطاء نفسها المكانة «المؤثرة» في الذهنية المتلقية أيا كان موقعها ومكانها حول العالم.
هذا المشهد رأيناه ركيكا مع المجاميع الإرهابية من أمثال «القاعدة» و«حزب الله» عبر استخدامهما لقنوات التلفزيون وشرائط الخطب بالفيديو والمواقع الإلكترونية، واليوم نشاهده بشكل أدق وأكثر حرفية مع منتجات المجموعة التي تنقل جرائمها بكاميرات عالية الدقة والجودة وهندسة صوتية محترفة لأجل تحفيز المشاهد للانضمام لهذه المجاميع الإرهابية.
شكل «القوة» يتغير، ومفهوم التأثير والفعالية باتت له معان جديدة ومغايرة.. عالم يتقلب أمام أعيننا ووجوه الخير والشر فيه تواصل صراعاتها ومواجهاتها مستخدمة ومستغلة كل وسيلة ممكنة لإنجاز ذلك الأمر.
مفهوم القوة أصبح صعب التفسير، ولكن الحكم بأثر وفعالية ذلك يبقى المعيار الأساسي والأهم للتقييم.