د. نصر الحريري
الأمين العام للائتلاف الوطني السوري
TT

21 آب.. يوم لن ينساه السوريون

في الساعة الثانية والنصف فجرا من يوم الأربعاء الموافق 21 آب (أغسطس) 2013، استيقظ أهالي غوطتي دمشق على أصوات انفجارات الصواريخ والقذائف، وهي مأساة اعتاد ألمها السوريون منذ انطلاقة الثورة السورية، لكن ما لم يعتده السوريون هو غاز السارين الذي حملته هذه الصواريخ التي انطلقت من اللواء 155 المتمركز في منطقة القلمون. استمر قصف النظام للغوطتين بالصواريخ المحملة بغاز السارين حتى الساعة الخامسة والنصف فجرا، وفي غضون ساعات رأى العالم أجمع مظاهر الهلع وأجساد الأطفال والنساء والشيوخ تتلوى على أرض المشافي الميدانية في المنطقة.
وفي الذكرى الأولى لهذه المجزرة؛ يستعيد الشعب السوري أحداث المأساة التي نفذها نظام بشار الأسد بحق أهالي الغوطتين، ويتذكر أن تلك المجزرة أدت إلى استشهاد 1507 أشخاص معظمهم من الأطفال والنساء قضوا خلال ساعات خنقا بالسارين.
كان للوعيد الذي أطلقه الرئيس الأميركي باراك أوباما باعتبار استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين خطا أحمر لن يقبل بتجاوزه، أن يقدم نوعا من أنواع العزاء للشعب السوري، لكن لم يكن يخطر ببال أحد من أهالي الضحايا وكافة أبناء سوريا وصولا إلى جميع المتابعين للثورة السورية وحرب النظام على الشعب السوري حول العالم، أن يتمخض الجمل فيلد فأرا، وأن يكتفي المجتمع الدولي، حتى اللحظة على الأقل، بتسليم أداة الجريمة دون معاقبة الجاني، فاتحا الباب على مصراعيه أمام المجرمين والقتلة ليأخذوا عبرة واضحة لا لبس فيها.
لقد أبدت قوى الثورة بالتنسيق مع قيادة أركان الجيش الحر والائتلاف الوطني منذ الأيام الأولى، استعدادها الكامل للتعاون مع لجنة تحقيق منظمة حظر السلاح الكيماوي وتسهيل عملها في المناطق المحررة، وتوجهت اللجنة إلى الغوطة الغربية والغوطة الشرقية بريف دمشق، بالإضافة إلى خان العسل في ريف حلب، وانحصر دورها في تأكيد استخدام السلاح الكيماوي فقط دون تحديد الجهة التي قامت باستخدامه أو تأكيد التهمة على نظام الأسد. وكانت النتيجة قرار مجلس الأمن رقم 2118 الذي يقضي بتسليم نظام الأسد سلاحه الكيماوي. جاء القرار دون تفعيل الفصل السابع في حال تخلف الأخير في تسليم أسلحته، أو تجرأ على إعادة الكرّة في المستقبل، مما فتح الباب واسعا للنظام كي يماطل ويتلاعب بموضوع تسليم الأسلحة ويستخدم هذه القضية ورقة للمساومة.
ورغم أن المجتمع الدولي تمكن من تحييد قدرة نظام الأسد على تصنيع الأسلحة الكيماوية واستخدامها، وبالتالي جنّب الشعب السوري خطر استخدامها ضده، فإن هذا التنازل الذي قدمه النظام بمباركة إيرانية وتنسيق روسي أمده دون شك بأسباب جديدة للاستمرار وقتل الشعب السوري بالأسلحة التقليدية، بل إنه تجرأ على استخدم المواد السامة، كمادة الكلور التي لا تصنف دوليا جزءا من ترسانة النظام الكيماوية نظرا لاستخداماتها المتعددة في الصناعات المحلية، وبهذه الطريقة يكون نظام الأسد قد التف على إرادة المجتمع الدولي واستمر في انتهاكاته ضد المدنيين دون حساب. أما الشعب السوري فلا يمتلك اليوم غير الأمل بالخلاص من المجرمين وتقديمهم إلى العدالة؛ أمل يدخل السكينة إلى أرواحهم المعذبة بعد أن خسروا أحباءهم وبيوتهم ومستقبلهم.. أمل يمنحهم القدرة على الاستمرار في النضال ضد جلادهم.
لكن مثول الجناة، وعلى رأسهم بشار الأسد المسؤول الأول عن القرار السياسي والعسكري بضرب الغوطتين بالكيماوي، أمام العدالة لا يبدو قابلا للتحقيق اليوم، فنظام الأسد، كما هو حال إسرائيل، ليس عضوا في محكمة الجنايات الدولية، ولم يوقع على أي من مواثيقها واتفاقياتها. أما مجلس الأمن فهو معطّل بالفيتو الروسي والصيني، ومن الواضح أنه لا توجد إرادة دولية حقيقية لاستنساخ تجربة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وفي هذا المقام يجدد الائتلاف مطلبه لدول أصدقاء الشعب السوري بتخطي جميع المعوقات والعمل على تطوير دعمهم لقضية الشعب السوري وراء حدود تقديم المعونة الإغاثية بالتوازي مع الدفع باتجاه تفعيل محاسبة مرتكبي الخروقات عن طريق كافة الوسائل المتاحة.
ويبقى دعم الجيش السوري الحر وتزويده بالسلاح النوعي الحل الوحيد لحماية المدنيين من إجرام نظام الأسد الذي يتلقى كافة أشكال الدعم اللوجيستي والمادي والسياسي من روسيا وإيران، دون إغفال دوره في التصدي لجرائم التنظيمات المتطرفة التي أصبحت خطرا حقيقيا يهدد حياة مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء في سوريا.
* الأمين العام للائتلاف الوطني السوري