حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

معاركنا

طبول الحرب على الشرق الأوسط تُقرع مجددًا (وهل هي هدئت أبدًا؟)، وحادثة «نحر» الصحافي الأميركي جيمس فولي على أيدي أحد أعضاء التنظيم الإرهابي «داعش» تلقي اهتمامًا مهولًا وتغطية إعلامية متعاطفة للغاية مع هذا الحدث المأساوي. وهناك شحن للشعوب الغربية للتعامل مع «هذا السرطان»، بحسب ما وصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما في مؤتمره الصحافي الأخير، والذي علّق فيه على هذه الحادثة البشعة.
هناك أصوات متصاعدة في أروقة السياسة الأميركية من الحزبين الديمقراطي الحاكم، والجمهوري، يطالبان وبقوة، بسياسات عسكرية أشرس وأقوى بحق هذا الفصيل الإرهابي المجرم. وانفتحت مع هذا الطرح المهم أوراق الملف السوري، وكيف أن ضعف وتردد قرار الإدارة الأميركية بحق نظام بشار الأسد المجرم، بعد أن تجاوز الخط الأحمر الذي وضع له من قبل الإدارة الأميركية، وطبعًا لم يحصل شيء، ونجا بشار الأسد من العقوبة بعد جريمته البشعة ومجزرته التي أدّت إلى موت أكثر من ألفين من نساء وأطفال سوريا الأبرياء، وبعدها مباشرة ظهر شبح وعفريت «داعش» ليطغى على الشاشة، ويغطي على أخبار نظام بشار الأسد المجرم ومجازره المستمرة.
الخوف من «داعش» له أبعاد مهمة على الغرب، فهناك «أعداد متصاعدة» من المقاتلين الذين جاءوا من دول أوروبية ومن أميركا وانضموا لهذه الفرق الإرهابية، بل إن المجرم الذي قام بـ«نحر» الصحافي الأميركي كان يتحدث بلكنة إنجليزية بريطانية واضحة، أثارت الهلع في نفس رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وأجبرته على العودة من إجازته بشكل طارئ والاجتماع الفوري مع فريقه المعني بالأمن الوطني لمعاينة، وتقييم الخطورة المتوقعة من عناصر «داعش» الغربيين في حال عودتهم المتوقعة إلى بلادهم.
المشكلة تتحول بالتدريج إلى مشكلة عالمية، لم يعد الهدف الأميركي هو الخلاص من طغاة العالم (كما تخلصوا من نورييغا وشاه إيران وصدام حسين والقذافي) ها هم يبقون على بشار الأسد، وتحولت القضية الأساسية، وهي مواجهة نظام مجرم يقتل شعبه، إلى التعامل مع نتيجة فرعية ومهمة وهي الظهور الإرهابي للجماعات المسلحة.
الغريب أن دوائر صناعة القرار الأمني والإعلام الغربي، كانت كلها تتناقل خطف واحتجاز الصحافي الأميركي جيمس فولي على أيدي عناصر النظام المجرم لبشار الأسد في سوريا، وفجأة ظهر في شريط إجرامي وهو ينحر على أيدي مجرم من أعضاء عصابة «داعش»، دون محاولة الإجابة عن السؤال البديهي والمهم جدا: كيف انتقل جيمس فولي من قبضة بشار الأسد وزبانيته إلى «داعش»؟ وتبقى الإجابة بديهية..
صعود «داعش» هو الذي أنقذ بشار الأسد، ابحث دائما عمن يستفيد من أي واقعة وحدث لتأتيك الإجابة الصريحة. مشكلة الخلاص من «داعش» تحوّلت إلى مشكلة للغرب، بينما هي في الواقع مشكلة إسلامية، العالم الإسلامي عليه الخلاص من كل الجماعات الإرهابية مثل «حزب الله» و«القاعدة» و«داعش»، جماعات ترفع رايات عليها اسم الله، وتقتل من عباده من تشاء. وكل متعاطف معهم هو شريك في إجرامهم وفي تطرفهم. سقف الإنكار والمحاربة لهؤلاء المجرمين لا يزال خجولا جدا، وهناك دول لا تزال تتعامل معهم وتوظفهم في أغراضها، وطالما بقي هذا الفكر الضال الموجود بيننا، سنرى المزيد من المواجهات بين العالم والمجرمين الذين يوجدون حولنا وبيننا بشكل مريب.
«داعش» و«القاعدة» و«حزب الله» سرطانات يجب الخلاص منها، وهي معاركنا قبل أن تكون معارك غيرنا.