عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

«الإخوان».. صوت ناعم وقفاز خشن

في تغريدة لهم على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» دعا أنصار «داعش» الإخوان المسلمين في مصر إلى استرجاع الحكم «بحد السيف»، ووضعوا على عنوان مغرد أو مغردين يبثون تحت اسم «شباب دولة الإسلام» صورة لخليفتهم أبو بكر البغدادي كتب تحتها «هذا الذي كسبناه من الجهاد»، وبجوارها صورة للرئيس المصري المعزول محمد مرسي وراء القضبان، وكتب تحتها «هذا الذي جنيناه من الديمقراطية».
«الإخوان» والمدافعون عنهم سيقولون إنهم غير معنيين بكلام «داعش» لأنهم ملتزمون بنهج المعارضة السلمية ويدينون العنف والإرهاب، وإن طريقهم إلى الحكم كان عبر صناديق الاقتراع وليس «بحد السيف»، وإنهم كانوا ضحية انقلاب عسكري لا ثورة شعبية. المشكلة أن هذا الكلام فيه انتقائية عالية ولا يعكس الصورة الحقيقية، لأن «الإخوان» لم يكونوا ضحية بريئة، بل كانت تصرفاتهم مسؤولة إلى حد كبير عن هدم أحلام ثورة يناير.
كم كان المرء يتمنى لو أن الحركة الإخوانية بكل تفرعاتها التزمت بالكلام الناعم عن الديمقراطية فعلا لا قولا، واختارت أن تكون إما حركة سياسية مؤمنة بالتداول السلمي للسلطة، وإما جماعة دينية ملتزمة بالعمل الدعوي بدلا من البقاء في منطقة رمادية جرّت الكثير من المصائب والويلات على المنطقة، بل وعلى الحركة ذاتها. فـ«الإخوان» لم يلتزموا دائما بنهج العمل السلمي كما يدّعون، بل مارسوا العنف المسلح والاغتيالات السياسية في الماضي كما هو معروف. وحتى بعد إعلانهم نبذ العنف في ستينات القرن الماضي في مصر، فقد عاد إليه لاحقا بعض أنصارهم وكثير من حركات التطرف التي خرجت من رحمهم ولم تقطع كلها الحبل السري معهم.
أما فيما يتعلق بالالتزام بالنهج الديمقراطي فحدّث ولا حرج، والتاريخ الحديث شاهد على أن الحركات الإخوانية لا تؤمن بالديمقراطية إلا إذا قادتها إلى الحكم، وحتى إن حققت بها هذا الهدف فإنها لا تلتزم بعد ذلك بمبدأ التداول السلمي الديمقراطي. وفي بعض الحالات فإنها تتآمر لوأد الديمقراطية مثلما حدث في الحالة السودانية عندما قاد «الإسلاميون» انقلابا عسكريا أطاحوا به نظاما ديمقراطيا كانوا جزءا منه، ووجدوا الدعم والتأييد من الحركات الإخوانية التي تزعم أنها تؤمن بالديمقراطية.
«داعش» قد لا تعبّر عن الإخوان، لكن دعوتها لهم لاسترجاع الحكم «بحد السيف» جاءت في وقت تدور فيه تساؤلات حول ما إذا كان «الإخوان» أو بعض أنصارهم بدأوا يتجهون نحو العنف في معركة السلطة. فمنذ فترة تتصاعد أحداث العنف والتفجيرات ووتيرة الهجمات على مراكز الشرطة والمواقع العسكرية في أنحاء مختلفة من مصر، كما ظهرت في الآونة الأخيرة بالتزامن مع ذكرى مرور عام على فض اعتصام أنصار «الإخوان» في ميداني رابعة والنهضة حركات تلوّح بالعمل المسلح ضد ما يسمونه حكم العسكر.
قبل أيام قليلة نشر محسوبون على «الإخوان» شريط فيديو لملثمين مسلحين أطلقوا على أنفسهم اسم «كتائب حلوان» وأعلنوا المقاومة المسلحة ضد الجيش والشرطة. وقبل أن تهدأ الزوبعة التي أثيرت حول هوية هذه الكتائب، جرى تداول فيديو آخر لما سمي «حركة المقاومة الشعبية» التي أعلنت بدورها أنها ستقاوم «النظام العسكري بكل الوسائل المتاحة لها»، وهو تهديد مبطن لا يستبعد خيار السلاح وإن لم يقل به صراحة.
كما كان متوقعا فقد سارع «الإخوان» إلى إعلان أن لا علاقة لهم بهذه الحركات، إلا أنهم في الوقت ذاته استخدموها للقول إنهم تمكنوا من كبح جماح أنصارهم منذ الإطاحة بحكم مرسي، لكنهم باتوا الآن يشعرون بالقلق من فقدان السيطرة على شبابهم مع ظهور حركات تدعو للمقاومة المسلحة وفي ظل استمرار اعتقال قياداتهم. هذه اللغة المبطنة من طبائع «الإخوان» وفي صميم نهجهم في الممارسة السياسية، وقد استخدموها قبل إعلان نتائج الانتخابات التي جاءت بمرسي عندما دفعوا بأنصارهم إلى الميادين ملوحين بأنهم لن يغادروها مفضلين الموت إذا لم تؤكد النتائج فوز مرشحهم، وكرروها لاحقا عندما تصاعدت المظاهرات الهاتفة بـ«سقوط حكم المرشد» ورحيل مرسي.
التحركات الأخيرة تزامنت أيضا مع تشكيل ما سمي «المجلس الثوري المصري» بعد اجتماعات في إسطنبول، نشط «الإخوان» في تنظيمها لتكون مظلة يعملون من خلالها مع قوى خارجية بهدف معلن هو «دعم مقاومة الشعب للحكم العسكري»، ومبطن لإحداث قلاقل. هذه الاستراتيجية لن تعيد «الإخوان» إلى الحكم كما يتمنون، بل ستؤدي بهم إلى مزيد من العزلة، خصوصا إذا تصاعدت وتيرة العنف. السؤال: هل تعلّم «الإخوان» شيئا من تجربتهم التي التفوا خلالها على الثورة من أجل السلطة، وناوروا باسم الديمقراطية للانفراد بالحكم، فخسروا الحكم والشارع، أم أنهم ما زالوا يناورون ويريدون السلطة بأي ثمن حتى لو دفع البلد كله الثمن؟