هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

هل تتفق أميركا وروسيا على مواجهة «داعش»؟

المصيبة يجب أن تجمع. علينا أن نعترف بأن تنظيم «داعش» يحقق تقدما. هناك مثابرة في تقدمه. بغداد محاصرة من جهات ثلاث: الجنوب، والشمال، والغرب. والتفجيرات تجتاحها.
350 ألف جندي عراقي تبخر عزمهم. حاول الجيش العراقي 11 مرة تحرير تكريت وفشل. اعتقد البعض أن «الحرس الثوري» الإيراني سيقوم بمهمة دحر «داعش»، هو أيضا فشل. قوات «البيشمركة» الكردية لم تقدر عليه من دون غارات جوية أميركية. حتى مع رحيل نوري المالكي فإن الجبهة الشيعية في العراق ضعيفة.
«داعش» يشعر بأنه مستقر في الجزء الذي أقام فيه في سوريا. حاول التقدم نحو لبنان باتجاه المتوسط، كانت خطته ربط عرسال بطرابلس واجتياح عكار ليحصل على منفذ متوسطي. هزم، إنما كانت محاولته إشارة إلى أنه لن يكف عن الزحف واحتلال مناطق جديدة. أسكره سقوط الموصل. ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني كتب يوم الأحد الماضي في «الصنداي تلغراف»: «إذا لم يتم التعامل مع هؤلاء (الوحشيين المعتوهين) الآن، فإنهم سيقيمون (دولة إرهابية) على شواطئ المتوسط».
من هنا يجب إيقاف تقدم «داعش». ولا يمكن إيقاف هذا التنظيم من قبل دولة واحدة، كما أنه ليست هناك من دولة واحدة مستعدة لفعل ذلك. يجب أن يكون الجهد مشتركا. وهنا لا بد من العودة إلى ما قاله توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، في إحدى محاضراته أخيرا: «هناك مشكلة مع التطرف الإسلامي، ويجب التعامل مع هذه المشكلة بطريقة عالمية وليس على أنها مشكلة محلية. هذه المشكلة لا يمكن معالجتها محليا من قبل دولة واحدة، بل تحتاج إلى تضافر جهود وقوى دول أخرى».
هذه الدول يجب ألا تكون مؤلفة من الولايات المتحدة وأوروبا فقط، إنما يجب أن تشمل روسيا والصين وغيرهما، والقيادة فيها يجب أن تكون لأميركا وروسيا، حيث للاثنتين مصلحة حتمية في ذلك.
مصلحة روسيا نظرا لوجود الملايين من المسلمين في القوقاز، وأجيال أخرى من المسلمين في موسكو، ثم هناك الشيشان وداغستان ولهما تمثيل أساسي في «داعش»، فنائب البغدادي هو عمر الشيشاني (يقال إنه قتل). أما أميركا فتخاف من تدهور الأوضاع في المنطقة حيث أغلب النفط العربي لا يزال يذهب إلى الغرب، في حين أن إيران ترسل نفطها إلى الصين. أما الصين فهي الأخرى يجب أن تقلق؛ إذ أعلن عبد المولانا عزيز دعمه للخليفة أبو بكر البغدادي. وعبد المولانا عزيز كان الزعيم الروحي للمسجد الأحمر في باكستان، وكان يركز اهتمامه على الطلاب «الأويغور» الصينيين، ولا يزال.
بالنسبة إلى الدول العربية كشفت بريطانيا عن أنها تنقل أسلحة إلى الأكراد من قبل قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، وكانت «قاعدة شبه الجزيرة العربية في اليمن» أعلنت في نهاية الأسبوع ولاءها للبغدادي، ويوم الجمعة الماضي دعا الشيخ عبد الرحمن السديس، إمام الحرم المكي الشريف، إلى وضع قواعد محددة لسلوك الزعماء والعلماء والشباب الذين يدعمون الجهاد.
ولا تستطيع إيران أن تبقى بعيدة عن هذا الخطر، حيث يحكم مقاتلو «داعش» قبضتهم على ديالى الواقعة على الحدود مع إيران، وهم وصلوا إلى جلولاء التي تبعد 25 ميلا عنها.
بالنسبة إلى تركيا، يقول مراقب عسكري إنه يجب عدم انتظارها، فرجب طيب إردوغان أعلن أنه سيغير دستور أتاتورك لصالح دستور إسلامي. هو الآخر يتطلع إلى إقامة خلافة. ثم إن تركيا هي التي مهدت لـ«داعش»، وعن طريقها وصل «داعش» إلى سوريا ومنها إلى العراق، كما أنها تشتري النفط من «داعش» بـ10 دولارات للبرميل الواحد.
كل هذا يدفع إلى وجوب تطوير خطة عسكرية موحدة للمواجهة. الغرب والحلف الأطلسي لديهما الآن مشكلة مفتعلة مع روسيا بسبب أوكرانيا، لكن مجال الاتصال بالروس والتوصل إلى اتفاق، قائم، كون «داعش» أخطر، وخطره شامل وداهم. ومن المؤكد أن المقاتلين الأجانب في صفوف «داعش» سيتم إرسالهم إلى الغرب لـ«نشر الخلافة»، وسيتم تحريكهم من قبل الإسلاميين إن كان في سوريا أو في العراق أو حتى في ليبيا، وقد اعترف ديفيد كاميرون بذلك.
ما حدث في العراق كان بمثابة إنذار للعالم كي يتحد ضد «داعش». الآن يجب دحرهم في سوريا والعراق معا، لأنهم إذا دحروا في العراق يستطيعون إعادة تجمعهم في سوريا. وكما كتب أحدهم: «إذا جففنا البحيرة إلى أين سيذهب التمساح؟». بدأ النظام السوري بقصف «داعش» أخيرا خوفا من أن تشمله الغارات الجوية الأميركية كما هو متوقع.
يقول بعض المستخفين بخطر «داعش»: «ما الفرق بين (داعش) و(القاعدة)، ولماذا (داعش) أخطر من (القاعدة)؟». الجواب: لأن «داعش» استطاع إقامة دولة. ظلت «القاعدة» كمن يفتح فروعا لمحلاته، مرة تفجير هنا، ومرة هناك.
البغدادي اختار توجها مختلفا. جمع المقاتلين ودعا المتعطشين للقتل والدماء للانضمام إليه من أجل تأسيس دولة الخلافة. أعطى البغدادي مفهوما مختلفا، فقوة الدولة لا يمكن مقارنتها بالخلايا السرية رغم خطورتها. ثم إنه عمد إلى تهجير المسيحيين والإيزيديين اعتقادا منه أن المنضمين إلى دولته سيأتون من كل أنحاء العالم تلبية لدعوته. لذلك يجب مواجهة «داعش» من دون تأخير. في سوريا أسلحة «داعش» بدائية وقديمة، حيث اعتمد على الترهيب والقتل الجماعي والصلب. في العراق تأثر الجيش العراقي بسمعة «داعش». كما تبين أن السنّة في الفرق العسكرية التي كانت في الموصل رفضوا مقاتلة «داعش»، والشيعة رفضوا الموت دفاعا عن مدينة سنّية. وهكذا سقطت كل الأسلحة الأميركية في يد «داعش».
انتصارات «البيشمركة» الآن جيدة، لكن إلحاق الهزيمة بـ«داعش» يحتاج إلى تضافر كل قوى العالم. تستطيع أميركا أن تقود كل الدول في هذه الحملة، فـ«داعش» ليس بالدولة التي ستحتج لأن سيادتها انتهكت، وتشتكي بالتالي إلى مجلس الأمن. إن خلافة البغدادي تتقدم، ومن المؤكد أن هناك أقنية اتصال مفتوحة بين واشنطن وموسكو، فالخطر مشترك، ومن الضروري أن ينضم الأطلسي لمكافحة هذا الخطر، وستضطر أميركا ودول أخرى إلى إرسال قوات برية. الولايات المتحدة اعترفت أخيرا بأن «داعش» خطر عالمي. وكان إريك أدلمان، مسؤول سابق في «البنتاغون»، حذر في 16 من هذا الشهر بأن «داعش» لا يمكن احتواؤه بالغارات الجوية فقط.. «نحتاج إلى أكثر من ذلك».
إذا ترك «داعش» فإنه سيأخذ تدريجيا «القاعدة»، أما «جبهة النصرة» فإنها على وشك أن تختفي. و«داعش» في العراق أخطر مما كان عليه تنظيم «القاعدة» في أفغانستان. المهم أن أي حرب على «داعش» يجب أن يكون هدفها القضاء على البغدادي.
لا يمكن لأي طرف أن يقف مع «داعش». «داعش» لا يقبل أن يشاركه أحد في الحكم. يعتبر البغدادي جنوده «ملائكة الله على الأرض، ودماء المخالفين حلال». وكما يشد هذا الكلام المعتوهين، فلا بد من أن يثير حفيظة العقلاء.
لن نعود إلى الوراء لنقول لو أن الأميركيين تدخلوا عام 2011 في سوريا ما كنا وصلنا إلى هنا. الآن وصلنا، الخطر داهم ولم يعد هناك من مجال للتردد.