مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

غضب السيدة ميري

دار هذه الأيام جدل ظريف وكاشف بين الدبلوماسية الأميركية من طرف، وروسيا والصين ومصر وإيران من طرف.
موضوع الجدل كان حول أحداث مدينة فيرغسون الأميركية، التي تشهد حوادث شغب وصدام مع الأمن الأميركي منذ عدة أيام؛ اشتباكات حادة وغير مألوفة كثيرا في أميركا، على خلفية مقتل شاب أميركي أسود، من قبل رجل شرطة أبيض. وهكذا، تضافرت عوامل الإثارة كلها، خاصة مع تصعيد الإعلام الأميركي ضد السلطات.
من حق أميركا «الدولة» حفظ الاستقرار، قبل كل شيء، وفي الوقت نفسه من المعتاد لدى الإعلام الأميركي والمجتمعات الأهلية «النضال» من أجل الحقوق والحريات. وبين هذا وذاك، تصهل خيل في فيرغسون.
بالعودة للجدل الظريف، فإن إيران على لسان المتحدثة باسم خارجيتها السيدة مرضية أفخم، خدش ضميرها الإنساني الحقوقي، وأعربت إيران عبر بيان خارجيتها عن قلقها إزاء ما وصفته بـ«الممارسات القمعية ضد السود في أميركا». وقد سبق لإيران مناصحة أميركا أيضا في مظاهرات (وول ستريت).
أما الخارجية المصرية، فقد أصدرت بيانا حول أحداث مدينة (فيرغسون)، وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية: «إننا نتابع من كثب تصاعد الاحتجاجات والمظاهرات في مدينة فيرغسون وردود الفعل عليها». وحث السلطات الأميركية على «التعامل مع المظاهرات وفقا للمعايير الدولية».
يبدو أن هذه النصائح من القاهرة وطهران لواشنطن حول الترفق وصيانة حقوق الإنسان أثارت حنق الإدارة الأميركية التي «صدعت» رؤوس العالم، خاصة خصوم أميركا.
نائبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ميري هارف، ردت الصاع صاعين لزميلتها أفخم الإيرانية، والمتحدث المصري، وأيضا ردا على موسكو وبكين، فقالت: «عندما تكون لدينا مشاكل وقضايا في هذا البلد، فنحن نعالجها بنزاهة وشفافية. ولست هنا بصدد الرد على تلك الدول دولة دولة».
وردا على سؤال يتعلق بما إذا كانت دعوة مصر لواشنطن بضبط النفس تندرج ضمن أسلوب هذه بتلك، ردا على انتقادات الولايات المتحدة للحكومة المصرية، أوضحت هارف: «لم يكن يتعين بأي حال من الأحوال مقارنة الوضعين».
واضح حدة التوتر الأميركي من شماتة الخصوم.
أميركا ما من شك أنها رائدة الديمقراطية في العالم، وليس روسيا والصين، وهي ساهمت في تكريس قيم الحرية وحقوق الإنسان على مستوى العالم، بقوتها وقيادتها، وأي كلام غير هذا يدخل في باب المكايدة السياسية.
غير أن هذا لا ينفي أيضا أن رائحة المصالح الأميركية تفوح أحيانا في تحديد المواقف والضغوط التي تمارسها على هذه الدولة أو تلك بحسب مصالحها معها.
مشكلة أميركا، في عهد أوباما خاصة، هي أنها تتعامل أحيانا كأنها منظمة العفو الدولية وليس دولة تحمل مسؤوليات دقيقة تجاه الأمن العالمي، والأغرب أنها تكون حادة كالموسى تارة، وناعمة متفهمة كالنسيم أحيانا، مما يجعل مصداقية موقفها موضع شك.
ضغط أميركا العالمي لصيانة قيم حقوق الإنسان، يعد ضروريا لحفظ التوازن الأخلاقي السياسي العالمي. هذا صحيح، لكن حسنٌ أن تشرب أميركا من كأس الواقعية السياسية أحيانا.
[email protected]