زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

بريشة مصطفى حسين

طبيعي أن الزمان لا يجود بالعبقريات كل يوم! ولكن المؤكد أن فنانا عملاقا بوزن وقيمة الراحل مصطفى حسين سيظل مؤثرا في حياتنا وفي مجال إبداعه إلى أزمنة كثيرة حتى بعد رحيله.
لقد آمن المصري القديم أن الإنسان يموت مرتين: الأولى بخروج آخر نفس من صدره؛ والثانية عندما يموت آخر إنسان على الأرض يعرف اسمه. ولنا أن نتخيل الملايين الذين يعرفون مصطفى حسين في مصر والعالم؛ وكذلك الملايين الذين سيعرفون مصطفى حسين من خلال أعماله التي لن تدفن معه بل ستظل باقية.. شاهدة على عظمة فنان قلما تكرر ولا نزكي مخلوقا على الله.
تأثر مصطفى حسين بالحضارة الفرعونية والفن الفرعوني حتى إن استدعاء الفراعنة من ملوك وملكات وشعب يكاد يكون مسيطرا على فنه؛ يستخدمه للتعبير عن مشكلات المجتمع المعاصرة مسقطا على الماضي الفرعوني العظيم. لن أنسى كاريكاتيرا عن شخصي الضعيف عندما صورني بالزي الفرعوني الكامل وعلى رأسي تاج الفراعنة وكأني حامي حمى الحضارة المصرية وآثارها.
وفي كاريكاتير آخر وجدته يرسم فصلا مدرسيا ومدرسا يشرح لتلاميذه ويسأل، لماذا يأتي السياح إلى مصر؟ فتكون الإجابة لرؤية الأهرامات وأبو الهول وزاهي حواس!! وكانت المناسبة تلك الحملة الشرسة التي نالتني من لصوص الحضارة في أعقاب يناير (كانون الثاني) 2011. المهم أن مصطفى حسين لم يكن يهمه سوى التعبير عن كل ما يؤمن به وإن اختلف العالم معه.. احترامه لريشته وموهبته كان احتراما لكيانه ووجوده.
أفتخر بأنني كنت واحدا من أصدقاء مصطفى حسين ومنا الطبيب والسياسي والكاتب والفنان نجتمع على مائدة في المطعم المفضل له بعد أن يقوم بالاتصال بنا واحدا واحدا أكثر من مرة لتحديد الميعاد المناسب لنا جميعا لكي يضمن وجود الجميع وبعدها لا وجود لاعتذار.
وكان اللقاء هو ما نسرقه من الزمن لنسعد بالصحبة والفكر والأدب فتمر الساعات ولا ندري.. رحمك الله يا صديقي كم كنت تمتلك قلبا يسع العالم بهمومه ومشكلاته.
أعرف أن هناك الآن من يتألم في صمت لفراق مصطفى حسين ويستحق منا جميعا أن نواسيه ونخفف عنه آلامه فهو توأم فكره وقلبه وهو الكاتب الكبير أحمد رجب - منحه الله الصحة والعافية وأطال لنا في عمره.
لقد كانت «نص كلمة» إبداعا لريشة الراحل مصطفى حسين وقلم أحمد رجب.. إبداع الريشة والقلم لعقود طويلة على صفحات الأخبار و«أخبار اليوم» ونحن ننهل منهما الضحك على حالنا وحياتنا.
رحم الله فقيدنا الغالي جناته برحمته سبحانه وتعالى وأسكنه فسيح، ولأسرته الكريمة الصبر والسلوان.. مات مصطفى حسين بعد أن غمرنا بإبداعه وفنه الراقي ولا نملك له الآن سوى الدعاء له بالرحمة والمغفرة.